على امتداد التاريخ السعودي الحديث، وتحديداً منذ أن وحَّد الملك عبدالعزيز المملكة، حيث البدايات المدروسة بتأسيس الدولة، ضمن رؤية خلاقة وشاملة، وإبداع في التخطيط، والعزيمة التي لا تلين، بدأ العمل بقوة لإقامة الدولة الناشئة، على أسس صلبة وقوية، وذات منحى صحيح، يعتمد أولاً وأخيراً على بناء الإنسان، وفق ثوابت أرساها مبكراً، ورسخ القبول بها في ذهن جميع المواطنين.
***
فكان سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله، وبعدهم سلمان؛ إذ الخلف منهم يتسلَّم من السلف مواصلة حكم البلاد ملكاً للمملكة العربية السعودية، بتسلسل مرن، ومن دون أن يظهر أي نزاع أو تخوُّف لدى المواطنين من أي فراغ دستوري، وهو ما كان يتأكد عند وفاة أي من ملوك المملكة السابقين؛ إذ كانت التكهنات والتخرصات التي لا قيمة لها تنحصر على فئة محدودة العدد، وكان ذلك ضمن تمنياتها وأوهامها المريضة، حتى إذا ما انتقلت السلطة من الملك السلف إلى الخلف أسقط بأيديهم، ولاحقتهم الخيبة والمذلة، فيما تواصل المملكة بهدوئها واستقرارها التطور الشامل غير آبهة بهؤلاء المرجفين.
***
يقودنا إلى هذا الكلام النجاحات والإنجازات الكثيرة التي تحققت في مائة يوم، وهي الفترة القصيرة التي مضت وانقضت من عمر حكم الملك سلمان. أي أن ما أُنجز في أيام محدودة كان يحتاج بكل المقاييس، ومن خلال التحليلات المنصفة، إلى سنوات لإنجازه، وهو ما لا يمكن لدول أخرى كثيرة أن تنجزه بدون أن يأخذ حقه من الوقت الذي قد يتطلب سنوات لا أياماً محدودة. وهذا كلام لا نقوله من فراغ، أو نتحدث عنه دون وجود ما يؤكده، بالقرارات المعلنة، والمصادر الموثقة، وشهادات المواطنين التي تتردد على ألسنتهم، ويعبِّرون عنها عبر وسائل الإعلام.
***
مائة يوم شهدت قرارات تاريخية واستراتيجية، بوضع رسوم على الأراضي، وإعادة هيكلة شركة أرامكو، وتمكين الشباب من الحصول على فرصهم لخدمة الوطن بوصفهم وزراء ونواباً لهم ومستشارين بمراتب عليا، وإلغاء اللجان العليا المتخصصة، والاستعاضة عنها بلجنتَيْن، تأكد أنهما تقدمان عملاً وإنجازات تفوق ما كانت تقدمه اللجان السابقة. وضمن هذه التنظيمات تم دمج وزارة التربية والتعليم بوزارة التعليم العالي بمسمى وزارة التعليم، وضم ديوان سمو ولي العهد إلى الديوان الملكي، وإعادة تشكيل مجلس إدارة شركة أرامكو، وتحسين بيئة العمل بكثير من الوزارات والهيئات الحكومية بإعفاء بعض المسؤولين فيها، واختيار البدلاء من الكفاءات والقدرات التي تتمتع بالاختصاصات المناسبة لها.
***
وكان من بين أبرز الأحداث والتطورات على الساحة الداخلية استجابة الملك سلمان لطلب كل من: سمو ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز وسمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بإعفائهما من منصبَيْهما، وقيامه بزيارة الأمير مقرن بقصره، وتوجيه برقيتَيْن لكل منهما، عبَّر من خلالهما عن مكانة سموهما في نفسه ولدى المواطنين، مثمناً عالياً الخدمات الجليلة التي قدماها للوطن، ثم إعلان مبايعة سمو الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، وسمو الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، وقيام سموهما بالتوجُّه إلى قصر الحكم لمبايعة كلٍّ من المحمدَيْن.
***
ومن المؤكد أن عملية «عاصفة الحزم»، ثم عملية «إعادة الأمل»، كانتا من أهم ما تم إنجازه في المائة يوم التي مضت؛ فقد أنهتا العدوان الحوثي، وقزمتا الطموحات الشريرة عند علي عبدالله صالح، وجعلتا من إيران لاعباً ضعيفاً ومنهار القوى أمام «عاصفة الحزم»، بعد أن تأكد لها أن سلمان بن عبدالعزيز إذا قال فعل، وأن «عاصفة الحزم» ترجمت ما كان يتردد: «حذاري من غضب الحليم»؛ الأمر الذي حوَّل أوهام إيران وعملائها في اليمن إلى هزائم، تتندر بها وتسخر منها وتضحك من نتائجها شعوب العالم.
***
كلام كثير يمكن أن يُقال عن مائة يوم من الإنجازات، هذا بعضه؛ إذ إن ما ذكرناه لا يمثل إلا إشارات لقليل منها، وحسبنا أننا قدمنا أمثلة، ولم نقل كل شيء، وأن ما يُعلَن يومياً من الكثرة والأهمية ما لا يمكن لمراقب أن يقوم بملاحقته وتتبعه واحداً بعد الآخر، لكن ما هو أهم أننا سنكون يومياً مع جديد سلمان؛ فما زال عنده ما سوف يبشِّر به ويعلنه لمواطنيه؛ فطموحه لا ينتهي بما تم إعلانه، وقراراته ومراسيمه وأوامره الملكية القادمة سيكون فيها الكثير من الخير للوطن والمواطن.. فكونوا بانتظارها، وثقوا بأنكم على موعد مع سُحب الخير التي لن تنتهي إن شاء الله.