د. جاسر الحربش
كان يا ما كان رئيس تحرير اسمه قينان، وكانت مسطرته لقياس ما يصلح نشره وما لا يصلح طويلة بما يكفي لاستيعاب ما يجمع بين مخلص ووطني وجريء من كتابات الرأي. وما زالت ساحة الرأي تفتقده وتذكره بالخير.
قناعتي الشخصية تقول إن الصحيفة ليست ملكاً لمؤسستها بالكامل، بل يشارك في ملكيتها القارئ الذي تبيع له المؤسسة مادتها بسمينها وهزيلها، ليدفع مقابل ذلك من جيبه فترتاح المؤسسة وتتضخم وتوزع الأرباح.
أجد هذه المقدمة ضرورية لمن افتقد حلقة الأربعاء الفائت من زاوية إلى الأمام، لأن مسطرة الزميل رئيس التحرير اعتبرتها أطول من القياس المطلوب. لن أترك الحجب يمر دون استغلال الفرصة المناسبة للتعليق على العلاقة بين رؤساء التحرير في الصحف السعودية وكتاب الرأي الواقعين تحت رقابتهم الرادارية. علاقة رؤساء التحرير السعوديين في الداخل مع كتاب الداخل تختلف كثيراً عن رؤساء تحرير الصحف السعودية في الخارج مع كتاب الخارج.
محلياً يهتم رؤساء التحرير باحتواء كتابهم وضمهم بعنف إلى صدورهم، لحمايتهم بالطبع، وهذا ما يُقال كمبرر وأكثره صحيح. الصحيح أيضاً أنها محاولة حماية بأثر رجعي، فرئيس التحرير يحرص على حماية كتابه مع الزلل ولائحة عقوبات وزارة الإعلام لأنه في الوقت نفسه يحاول حماية نفسه، لكيلا يشمله وزر الكاتب عندما يزل قدمه ويشط. هي حماية متبادلة، حماية بالوكالة الضمنية، بمعنى سوف أقيس ما تكتب بمسطرتي كمسؤول عما ينشر لك، لأحمي صحيفتي من اللوم والتقريع وتحمل مسؤوليتك أمام وزارة الإعلام.
رؤساء التحرير في الصحف السعودية المطبوعة في الخارج لديهم مساطر أطول، ولذلك نجدهم أكثر بحبوحة مع كتابهم السعوديين وغير السعوديين، أكثر بحبوحة في حرية الرأي المنضبط بالولاء لمكونات الوطن والقيادة، ولكنهم يستهدفون القارئ غير السعودي لتصحيح الصورة السعودية ضد محاولات تقديمها للقارئ العربي بطرق مدسوسة ومزورة.
بناءً على ذلك، أليس من العدالة أن يتساوى كتاب الداخل والخارج في المساطر والمساحات، وربما مع بعض الزيادة لكتاب الداخل الذين يوجودون وجهاً لوجه مع الرقابة الإعلامية ومع القارئ المحلي باختلاف توجهاته وعواطفه وثقافته؟. إذاً عندنا مساطر مختلفة لقياس الرأي، منها ما هو في أيادي رؤساء التحرير للصحف المطبوعة في الخارج، وأخرى لرؤساء صحف الداخل، بالإضافة إلى مساطر الرقابة الذاتية للكتاب على أنفسهم.
السؤال المترتب على ذلك هو، ما الأطوال المحددة لعلاقة مسطرة رئيس التحرير بمسطرة الكاتب الذاتية، وخصوصاً في الداخل؟ هل هي فوارق معرفية، أم هي فوارق السن والنضج، أم فوارق الوجاهة والحضور الشخصي، أم أنها فقط فوارق المسؤولية عن حماية المؤسسة الصحفية والذات التحريرية، ثم حماية الكاتب؟.
وثمة سؤال آخر، هل يمكن لكاتب الرأي بناءً على ما هو معروف عنه من الانضباط والعمق وحسن النية، أن يحصل على ما يستحقه من طول المسطرة الخاصة للقياس، بما يترتب على ذلك من توفر مساطر عديدة بأطوال مختلفة في أدراج رؤساء التحرير؟. كاتب الرأي المحلي يضع لنفسه كأولوية، محاولة سد الثغرة الفارغة بين الكاتب النخبوي الذي يكتب لمن يعتقدهم على مقاسه، وبين الكاتب الفارغ الذي يكتب مواضيع إنشائية لمجرد الكتابة، وذلك ما يجب إعطاءه الاعتبار الأول في المساطر الرقابية وفي الرقابة الإعلامية على ما أعتقد.
اللهم ارزق صحافتنا المحلية مساطر رقابية بطول تلك التي عند صحافتنا في الخارج، أو أطول قليلاً، قولوا آمين.