الثقافية - علي القحطاني:
في عالم الكوميكس، حيث تنبض الشخصيات بالحياة عبر لوحات آسرة وتفاصيل دقيقة، نجد الفنانين مبدعين يحولون الأفكار والمشاعر إلى صور ملهمة. لكن من غير المألوف أن يأتي فنان من خلفية مصرفية إلى هذا المجال الإبداعي، مما يضفي لمسة فريدة على رحلته. وقد استضافت «الثقافية» الأستاذ نايف الخير الله، صاحب سلسلة قصة «قيود سوداء»، لنستكشف تجربة فنان اختار الانتقال من عالم الأرقام إلى عالم القصص المصورة، في رحلة بدأت بشغف الطفولة بالرسم وتخيل المغامرات، لتثمر في عمله الأول «قيود سوداء».
تحدث الأستاذ نايف الخير الله لـ«الثقافية» عن بدايات اهتمامه بالكوميكس، وما الذي دفعه لاقتحام هذا العالم الإبداعي، ودوره كمؤلف مشترك مع الكاتب عبد الرحمن التميمي. في قصتهما المصورة «قيود سوداء» الممزوجة بين فنون الكوميكس والمانجا بأسلوب فريد، وتحمل رسالة عميقة حول السيطرة على النفس وتجاوز التحديات. وتعدّ «قيود سوداء» عملًا مبتكرًا يجمع بين أسلوب الكوميكس التقليدي والمانجا، ويسعى إلى تقديم عمل يعكس تجاربهما الشخصية والثقافية. واستلهمت السلسلة من الكوميكس الأمريكية بجرأتها وقوة أسلوبها البصري، ومن المانجا اليابانية بعمقها السردي وتنوع مواضيعها. كما تمّ توظيف الموروث المحلي واستخدام اللهجة السعودية في مفردات السلسلة، التي وصلت إلى أربعة أجزاء.
كما يتحدث ضيف «الثقافية» الأستاذ نايف الخير الله عن تجربته مع المعارض المحلية مثل «دبي كوميك كون» وأثر وسائل التواصل الاجتماعي في دعم وانتشار هذا الفن بين جمهور واسع.
عالم الكوميكس
في عالم الكوميكس، يُقال إن الفنانين يتميزون بشغف خاص واهتمام كبير بالتفاصيل. ومع ذلك، كونك قادمًا من خلفية مصرفية، فما الذي دفعك إلى دخول مجال الكوميكس وتأليف القصص المصورة؟ هل كانت هناك لحظة معينة أو تجربة خاصة أثارت اهتمامك بهذا المجال؟
لطالما كان لدي شغف بالفن ورواية القصص منذ الصغر. أذكر أنني كنت أقضي ساعات طويلة في رسم الشخصيات وتخيّل قصص ملحمية تدور حول مغامراتهم وصراعاتهم. على الرغم من أن مسيرتي المهنية بدأت في القطاع المصرفي، إلا أن الفن كان دائمًا جزءًا من حياتي اليومية. كانت لدي رغبة مستمرة في التعبير عن نفسي بطريقة مبدعة، وهو ما لم يتحقق بالكامل من خلال عملي في البنك. وجاءت لحظة التحول عندما حضرتُ معرضًا فنيًا محليًا كان مليئًا بأعمال فنانين موهوبين في مجال الكوميكس. تأثرت بشكل خاص بمدى براعة الشباب والشابات السعوديين في رسم الكوميكس والمانجا وتصميم الشخصيات. هذا المعرض أضاء شعلة الإلهام داخلي وأعادني إلى شغفي الطفولي، مما دفعني إلى البدء في العمل على قصتي الخاصة والمشاركة في هذا المجال المثير.
السوشيال ميديا وعالم الكوميكس
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وفعاليات مثل “دبي كوميك كون”، أصبحت هناك منصات أوسع للفنانين لعرض أعمالهم. ما الذي دفعك للعودة إلى عالم الكوميكس بعد فترة من الانقطاع؟ وبالنسبة لقصة “قيود سوداء”، وهي أول أعمالك، هل تراها جزءًا من عالم الكوميكس التقليدي أم المانجا، أم أنها تمثل دمجًا بين الاثنين؟
وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة نافذة فتحت لي آفاقًا جديدة للتفاعل مع جمهور أكبر وأكثر تنوعًا. بدأت أرى كيف أن الرسوم المتحركة والقصص المصورة تلقى قبولًا واسعًا في المملكة العربية السعودية، وكيف يمكن للفنانين من جميع أنحاء العالم أن يشاركوا أعمالهم بسهولة. فعاليات مثل “دبي كوميك كون” أعطتني الفرصة للاطلاع على تجارب الآخرين، والتعرّف على الأذواق المختلفة للجمهور، وهو ما شجعني بشكل كبير على العودة إلى عالم الكوميكس بعد فترة من الانقطاع.
الكوميكس في العالم
من الواضح أن الكوميكس، والمانجا، والمانوا هي أسماء متعددة تعكس ثقافات الدول التي نشأت فيها، لكنها جميعًا أشكال لرواية القصص عبر رسومات متتابعة. بالنسبة لك، كيف ترى هذا الاختلاف بين الأنماط؟ وهل هناك أسلوب معين تأثرت به بشكل خاص أثناء عملك على “قيود سوداء”؟
أرى أن لكل نمط طابعه الفريد الذي يعبر عن ثقافة البلد الذي نشأ فيه. الكوميكس الأمريكية تميل إلى تقديم قصص تتميز بالأبطال الخارقين والأحداث الضخمة، بينما المانجا اليابانية تغوص في مواضيع متنوعة تشمل الخيال، الدراما، وحتى المواضيع الفلسفية بطرق معقدة أحيانًا. المانوا الكورية، من جانبها، تعبر عن قصص تحاكي التجارب الشخصية وتلامس قضايا الحياة اليومية بشكل مؤثر.
أثناء عملي على “قيود سوداء”، تأثرت بالأسلوب السردي العميق للمانجا، حيث يميل هذا النمط إلى تطوير الشخصيات بشكل يجعل القارئ يتواصل معهم على مستوى أعمق. في نفس الوقت، اعتمدت بعض العناصر البصرية من الكوميكس الغربية مثل استخدام الإطارات الكبيرة للتأكيد على الأحداث المهمة. هذا التمازج أعطاني المرونة لخلق تجربة فريدة تمزج بين السرد التفصيلي والتصوير البصري الجذاب.
ولإيماننا أنا والكاتب عبد الرحمن التميمي، المؤلف المشترك وكاتب السيناريو، بثراء الخيال السعودي، ركزنا في قصة «قيود سوداء» على اللهجة السعودية البيضاء، لتكون القصة جزءًا من موروثنا المحلي.
المنصات الرقمية وعالم الكوميكس
كيف ترى دور الإعلام، بشقيه التقليدي والرقمي، في دعم الفنانين والمبدعين في مجال الكوميكس؟ وهل تعتقد أن الإعلام يسلط الضوء الكافي على هذا النوع من الفن؟
يلعب الإعلام، بشقيه التقليدي والرقمي، دورًا مهمًا في دعم الفنانين والمبدعين، خاصة في مجال مثل الكوميكس الذي يتطلب مساحة لإبراز العمل وتقديره. المنصات الرقمية تُعد وسيلة فعّالة للفنانين لعرض أعمالهم والوصول إلى جمهور واسع دون الحاجة إلى وسيط. وسائل التواصل الاجتماعي تسمح للفنان بالتفاعل المباشر مع المتابعين، مما يخلق بيئة تشجع على التفاعل والتغذية الراجعة.
ومع ذلك، أعتقد أن الإعلام التقليدي لم يعطِ الكوميكس الاهتمام الكافي، خاصة في منطقتنا. على الرغم من وجود بعض الجهود من مجلات وبرامج لإبراز هذا الفن، إلا أن المجال ما زال يحتاج إلى دعم أكبر لتعزيز وعي الجمهور وتقديره للكوميكس كوسيلة فنية وثقافية مهمة.
شخصية «صقر» والتجربة الشخصية
شخصية “صقر” في “قيود سوداء” تتعرض للعديد من التحديات. هل استلهمت شيئًا من تجربتك الشخصية في بناء هذه الشخصية وتطويرها؟ وهل كانت ردود أفعال الجمهور على “قيود سوداء” كما توقعت، أم أنها فاجأتك؟ وكيف تؤثر آراء الجمهور على تطور السلسلة؟
استلهمت جوانب من شخصية “صقر” من تجاربي الشخصية، خاصة تلك المتعلقة بمواجهة التحديات الكبيرة والسعي لتحقيق الأهداف وسط الصعاب. “صقر” يمثل الصمود والقدرة على التكيف مع الظروف المختلفة، وهي سمات عشتها في حياتي المهنية والشخصية. هذا العنصر الشخصي أضفى على “صقر” بُعدًا واقعيًا يتفاعل معه الجمهور بشكل إيجابي.
كانت ردود الأفعال من الجمهور مذهلة. في الحقيقة، تفاجأت بمدى التفاعل والتشجيع الذي حظيت به القصة. تلقيت رسائل من القراء تعبّر عن إعجابهم بالقصة وتشجيعهم لي على الاستمرار في إنتاج المزيد من الأعداد. هذه الردود شكلت محفزًا قويًا لي لمواصلة العمل وتطوير القصة بما يتماشى مع توقعات وأفكار الجمهور.
تلعب آراء الجمهور دورًا كبيرًا في تطور السلسلة. أستمع دائمًا إلى ملاحظاتهم وأفكارهم، وأحاول دمج بعض هذه الأفكار في العمل إذا كانت تتماشى مع رؤيتي العامة للقصة. هذا لا يعني أنني أغير مسار القصة بشكل كامل، بل أستفيد من هذه الآراء لتحسين بعض التفاصيل أو تقديم أحداث تلامس مشاعر القراء بشكل أعمق.
شفرة القصة
تُعد “قيود سوداء” سلسلة مشوقة ومليئة بالأكشن. كيف توصلت إلى فكرة القصة، ما الرسالة الأساسية التي تود إيصالها من خلالها؟
جاءت فكرة “قيود سوداء” من رغبتي في سرد قصة مرعبة بطابع محلي، حيث يسيطر السحر والجن على معظم القصص المرعبة المحلية. استوحيت الفكرة من مزيج من الأساطير القديمة والقصص المتداولة. رسالتي من القصة تتمحور حول أن الخاسر الأكبر هو من يفقد السيطرة على نفسه، حتى وإن تمكن من السيطرة على الآخرين.
** **
@ali_s_alq