د.حصة بنت زيد المفرح
الأداء ممارسة تختلف من مجال إلى آخر، ومن سياق إلى آخر أيضًا. وإذا كان (الأداء) في علوم اللغة يرتبط بالصوت إذ يمثل «الصورة النطقية التي تأتي عليها اللغة المنطوقة بأصواتها وكلماتها وجملها» فإن الأداء الأدبي له خصوصيته كما وصفه (والاس باكون) إذ ما يميزه هو التفاعل بين القراء والنصوص، ذلك التفاعل الذي يثري المشاعر الداخلية والخارجية، وهذا ما يلمسه المؤدون والجمهور؛ بسبب خصوصية هذه النصوص.
ويرى (جاك دريدا وجوديت بتلر) أنه حتى أفعال التواصل والكلام الشائعة تكون أدائية، وهي عروض تشبه العروض المسرحية ثقافيًا واجتماعيًا.
وللشعر خصوصيته الأخرى؛ بوصفه قائمًا على خاصية أدائية منذ القدم، ويرتبط حضوره عادة بهذا الفعل الأدائي، لاسيما حين يلقى أمام جمهور قريب، أو حتى بعيد في ظل التطورات التقنية التي تسمح بالتسجيل، أو النقل غير المباشر على الشاشات، والوسائل الأخرى.
ويعتمد الأداء الصوتي الشعري على أساليب أدائية متنوعة، وطقوس ترافق الأداء، ترتبط بالصوت نفسه، ولغة الجسد، ومسرحة المكان وغيرها؛ حيث تتخذ الدوال الصوتية مستويات دلالية وجمالية متنوعة، حسب طبيعة الأداء، وشخصية المؤدي، والموقف الأدائي نفسه.
ودرست الأصوات من جوانب إجرائية وتحليلية ومخبرية؛ مستندة على الحضور الفيزيائي للصوت، كما درست بوصفها علامة مكتوبة؛ إذ تعكس بعض الألفاظ علامات ذات دلالة صوتية، ويمكن منها تأويل دلالة الصوت نفسه، وحضوره في النص، وتحليل حمولاته الدلالية، ووظائفه التواصلية.
وإذا كان الشعراء يحرصون عادة على ابتكار أساليب مختلفة لإلقاء قصائدهم مباشرة أمام الجمهور، أو خلف الشاشات، أو في تسجيلات صوتية؛ فإن البحث عن جماليات جديدة تؤسس لفعل الأداء الصوتي، والإنشاد، والإلقاء داخل القصيدة نفسها؛ يبرز بوصفه ملمحًا بارزًا في قصيدة (تصفيق) للشاعرة أسماء الجوير؛ مما يؤسس لتجسير الهوة بين الأجناس الأدبية وغير الأدبية، وتجاوز البنى الشعرية المعتادة.
ولعل أول ملمح يمكن رصده، حضور الصوت في القصيدة من خلال الفعل(صفق) المتكرر، ودوره في ضبط الإيقاع من جهة، وتشعب دلالات النص وتنوعها من جهة ثانية؛ محيلًا إلى نمط من(التشاكل) القائم على تكرار لبنى معنوية أو لفظية، وقد يكون تشاكلًا صوتيًا أو نبريًا أو إيقاعيًا. إضافة إلى كلمات أخرى دالة على الصوت وما يتعلق به، مثل: الصياح، غرد، طروب، الصمم.
وأيقونة الصوت(التصفيق) من العلامات الصوتية السمعية، الدالة على التواصل، وهو علامة حركية أيضًا؛ إذ يصدر عن ضرب راحتي الإنسان ببعضهما بإيقاع متواتر، ويعبر عن الإعجاب أو التشجيع، ويرافق عادة المظاهر الاحتفالية في معظم الثقافات. وهذا الصوت بوصفه عنوانًا لنص شعري يحيل إلى طبيعة النص الذي يحمل هذه الحالة الأدائية الاحتفالية أيضًا.
ويرتبط التصفيق عادة بفعل جماهيري في المسارح، والمدرجات الرياضية، والحفلات، وهو من بلاغة الجمهور(الصامت) نطقًا، لكنه يستعيض عن ذلك بما يبثه التصفيق من إيحاءات تجلت في القصيدة ضمن عدة مستويات، منها:
- الفرح والتفاؤل:
«صفق لقلب أخضر
صفق لبستان خضل»
- الحزن والألم:
«صفق لجرحي لم يزل
متدفقًا منذ الأزل»
«صفق لدمعي هاميًا
صفق لإرهاق المقل»
- الإعجاب:
«صفق لشعري، صح به:
لا فض فوك، أجل أجل».
_ المشاركة:
«صفق فقلبك خالطت
ـه مشاعري ولقد فعل!»
وما يقوم عليه الأداء الحي عادة هو التفاعل بين مؤد وجمهور متلق؛ الأمر الذي يتطلب الحضور الجسدي في الموقف الشعري نفسه، ولا نعدم وجود مثل هذه الإشارات الجسدية في القصيدة من موضع لآخر سواء بدلالتها المادية، أو المجازية، كما في: دامع العينين،نزف الجرح، البكاء، القبل.
ويضاف إلى ذلك، ترسيخ فعل تلقي الشعر ضمن هذا الفضاء الحضوري الذي يجمع بين الشاعر وجمهوره، في صور متنوعة: «أيها الجمع الخلي المحتفل»، « جدوى وجودك هاهنا أن تكتوي أو فارتحل!».
وعليه، فقد قادت هذه العلامة الصوتية السمعية الحركية (التصفيق)علامات أخرى لغوية وغير لغوية، كما صنعت مشهدًا أدائيًا ترفده علامات أخرى شكلت الموقف الأدائي نفسه، بوصفه حدثًا مباشرًا يستلزم حضور الملقي والمستمع في المكان والزمان نفسه.
** **
- جامعة الملك سعود