د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
قرأت في ملحوظات ومآخذ كتبها أستاذنا القدير أ.د. فوزي حسن الشايب كتبها عن كتاب (تصحيح الفصيح لابن درستويه) نشرت في مجلة الدراسات اللغوية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1443ه-2022م. مج34، ع4. ص337-338.
من ذلك توقف أستاذنا في قول ابن درستويه «هل هي من المدخول بها أم غير المدخول»، قال «في هذه العبارة خطأ نحويّ، قوامه المجيء بـ(أم) المتصلة بعد (هل). والصواب في هذا، المجيء بـ(أو) لا بـ(أم)؛ لأن أم المتصلة لا تكون معادلة إلا لهمزة التسوية، وللهمزة التي يطلب بها وبـ(أم) التعيين» (ص337).
أقول هذا أبعد من أن يخطئ به ابن درستويه، وقد يكون الخطأ من قراءة المحقق وتشابه بين (أو) و(أم) في المخطوط؛ لأن (أم) تكتبت بميم خنجرية، فلا يبعد أن يكون طرف واو (أو) ناله بسط قربها من (أم)، ولو أراد ابن خالويه التعيين أو التسوية لما بدأ بالضمير (هي)، وما بعد السؤال يرجح إرادة (أو) التي يراد بها أحيانًا الشك والإبهام، وهذه عبارة ابن درستويه كاملة «ومَنْقُولُ ابن عَبّاسٍ عن قَوْلِ الله تعالى ?وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ? هل هي من المدخول بها أم غير المدخول، فقال: أَبْهِمُوا ما أَبْهَمَ اللهُ»(1).
وقد يكون المحقق مصيبًا فيغلب على الظن أن ابن درستويه أراد بـ(أم) المنقطعة، وهذا جائز كما قال سيبويه في قوله «وإن شئت قلت: هل تأتيني أم تحدّثني، وهل عندك برٌّ أم شعيرٌ، على كلامين»(2). وبين لنا السيرافي مراد سيبويه قال «ومعنى قوله: (على كلامين) يريد أن الكلام جملتان: جملة تامة بعد (هل) وجملة بعد (أم)، وليس الفعل الذي بعد (أم) معطوفًا على الفعل الذي بعد (هل) كما قالوا ذلك في الفعل، لأن (أم) إذا عطفت ما بعدها من اسم أو فعل على ما قبلها، إنما تعطف إذا كانت ألف الاستفهام في صدر الكلام، وكانت هي عاطفة على ما بعد الألف، فإن كان في أول الكلام حرف سوى الألف من حروف الاستفهام، لم تكن (أم) عاطفة على ما بعده، فلذلك جعل هذا الكلام جملتين»(3).
والغريب قول أستاذنا «وأمّا (هل) فهي دخيلة في باب الاستفهام، وليست ذات دلالة عريقة فيه؛ لأن أصلها أن تكون بمعنى (قد)»(ص337-338). وهو معتمد في ذلك على قول الرضي(4) الذي انفرد به، حسب علمي، أما غيره من النحويين فمطبقون على أصالة دلالة (هل) على الاستفهام وأما خروجها إلى معان أخر فهو أمر سياقي. ومن قال بأنها بمعنى (قد) تابع المفسرين، قال أبو حيان «وهذا شيء قاله الكسائي، والفراء، وبعض المفسرين في قوله تعالى: «هل أتى على الإنسان»، وقد رددناه في الشرح»(5). وقال السيوطي (911ه) «قَالَ جمَاعَة قد أَتَى وَأنْكرهُ قوم آخِرهم أَبُو حَيَّان وَقَالَ لم يقم على ذَلِك دَلِيل وَاضح إِنَّمَا هُوَ شَيْء قَالَه الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَة وَهَذَا تَفْسِير معنى لَا تَفْسِير إِعْرَاب وَلَا يرجع إِلَيْهِم فِي مثل هَذَا إِنَّمَا يرجع فِي ذَلِك إِلَى أَئِمَّة النَّحْو واللغة لَا إِلَى الْمُفَسّرين»(6).
وأما غيرهم فقال ابن الشجري «وما علمت أحدًا من أهل اللغة قال إن (هل) تكون في شيء من الكلام ولا القرآن بمعنى (قد)، والنحويون يقولون في قوله جلّ اسمه: ?هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ? إن المعنى ألم يأت؟ منهم الزجاج»(7).
وكان ابن جني قال قولًا متوجهًا في أنها على بابها، قال «وقد يمكن عندي أن تكون مبقّاةً في هذا الموضع على بابها من الاستفهام، فكأنه قال -والله أعلم: هل أتى على الإنسان هذا؟ فلا بُدَّ في جوابه من (نعم) ملفوظًا بها أو مقدرة، أي: فكما أن ذلك كذلك فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يَبْأى(8) بما فُتح له. وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سألتني فأعطيتك! أم هل زرتني فأكرمتك!، أي: فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقّي عليك وإحساني إليك. ويؤكد هذا عندك قوله تعالى: ?إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ [2/3-الإنسان]، أفلا تراه -عز اسمه- كيف عدّد عليه أياديه وألطافه له»(9). وتابع القيسي(437ه) ابن جني قال «قيل هَل بِمَعْنى (قد) والْأَحْسَن أَن تكون (هَل) على بَابهَا للاستفهام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْرِير»(10).
_________
(1) تصحيح الفصيح لابن درستويه، ص 305.
(2) الكتاب لسيبويه، 3/ 176.
(3) شرح أبيات سيبويه، 2/ 51.
(4) شرح الرضي كافية ابن الحاجب عناية: يوسف عمر، 4/ 404.
(5) ارتشاف الضرب من لسان العرب، 5/ 2365.
(6) «همع الهوامع في شرح جمع الجوامع للسيوطي، 2/ 609.
(7) أمالي ابن الشجري تحقق الطناحي، 1/ 325.
(8) جاء في معجم العين «البأوُ: من الزّهو والافتخار والكِبر. بَأَى يَبأَى فلانٌ على أصحابه بَأْوًا شديدًا».
(9) الخصائص لابن جني، 2/ 462.
(10) مشكل إعراب القرآن لمكي القيسي، 2/ 781. وانظر: المحصول لابن العربي، ص43.