سهام القحطاني
«إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، وليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين» خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود .
شارك الشعر السعودي منذ إرهاصاته الأولى في إعلاء صوت النضال العربي في كل أرجاء العالم العربي، وظل بصوته داعما ومساندا وجدانيا لهذا النضال المجيد الذي يؤكد في نهاية المطاف «أن الحق لا يضيع أبدا ما دام يحركه المناضلون عبر الأجيال مهما طال الزمان»، وهذه ليست حكمة بل «سُنة تاريخية» لكننا لا نتعلّم من التاريخ، الذي ينتصر في النهاية لأصحاب الحق واستحقاقات الأصل.
رسخت المملكة العربية السعودية منذ المؤسس موقفها اليقيني أن السعودية هي «قلب وفكر العالم العربي والإسلامي» هذا الترسيخ الذي كان حاصلا طبيعيا لقيمة الموقع الجغرافي للسعودية والدور الفّعال لها في الوقوف مع قضايا العرب وحقوقهم الوجوديّة والدفاع عنها، وهو ما جعلها بإجماع العرب والمسلمين «وجهة القيادة» و»رمانة الميزان»؛ بسبب مواقفها السياسية الفعلية التي تحرك المياه الراكدة، واسهاماتها الخيريّة الكبرى في تضميد جراح الألم والدمار.
وانطلاقا من هذه الريادة استشعر الشعراء السعوديون بدورهم كمرسخ لهذه الريادة وصوت مؤكِد لحقيقتها، وواجب عروبي في المشاركة في قضايا العرب النضالية بسلاح الشعر وخاصة قضية العرب الأولى فلسطين.
وقد اتفق على هذا الاستشعار جميع أجيال الشعراء السعوديين، وستظل القضية الفلسطينية عابرة لعقارب الزمن ولمفهوم القديم والجديد في الوجدان السعودي.
تناول الشعراء السعوديون القضية الفلسطينية فجاءت دواوين شعرية باسم فلسطين بصورة صريحة أو غير صريحة؛ تحت رمزية الجهاد والكفاح؛ لترسيخ الحق الوجودي للقضية مثل: ديوان فلسطين وكبرياء الجرح للشاعر حسن القرشي، وديوان هتاف العزة والجهاد للشاعر عبدالله الأهدل، وصفارة الإنذار للشاعر سعد البواردي، وأغنيات الدم والسلام للشاعر عبدالسلام هاشم حافظ.
وبنفس النهج سارت عناوين القصائد مثل: فداء فلسطين وفلسطينيات عبدالله بن خميس، بشراك يا قدس عبدالله بن إدريس، ولهيب المعركة، محمد هاشم رشيد، وما حياة الشعوب إلا كفاح، إبراهيم الغزاوي.
كما تنوعت المحاور التي قُدمت بها القضية الفلسطينية في الشعر السعودي ومنها:
* المحور الديني: كون المسجد الأقصى القبلة الثالثة للمسلمين مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهذه الوحدة الجغرافية في مضمونها الديني خلقت وطنية التحام عند الشعراء، ويقول الشاعر محمد هاشم رشيد,
«في كل شبر من بلادي .. صوت يرن بمسمعي .. فوق الجبال وفي الوهاد .. فيرن في إذني .. القدس تنهشها الوحوش .. فتعود تعصف في دمي».
ويقول حسين عرب:
لبيك «يا مسرى النبي» ويا ميادين الجدود .. سنثيرها شعواء تعصف بالقديم وبالجديد.
* المحور العروبي: ويركز هذا المحور على عروبيّة القضية الفلسطينية وأنها مركز الوحدة العربية ويقول طاهر زمخشري:
ليس للأرض للذليل ديار** وفلسطين للعروبة دار
* المحور الثالث: الوقوف على التجارب النضالية في فلسطين، وتمسك الفلسطيني بحقه الوجودي وتقديم صور درامية شعريّة لحياة الفلسطينيين، يقول سعد البواردي وكأنه يرى اليوم ما يدور في غزة على شاشات التلفاز:
وبكاء طفل .. ويستجير ولا مجير .. يموج في لظى السعير .. وتشيج أرملة يناهز عمرها عمر النسور .. آه كم يبكي الصغير .. والجو في حرق اللهيب».
ويقول حسين عرب في بعد استشهاد المناضلة «سناء المحيدلي»:
وارسميه من شظايا الغضب .. يمضغ الأقوال باسم العرب .. واكتبي تاريخنا باللهب.
وفي المقام ذاته كتب غازي القصيبي قصيدة عن المناضلة «آيات الأخرس» ومطلعها:
يشهد الله أنكم شهداء** يشهد الأنبياء والأولياء.
ويقول عبدالله بن خميس في تمسك الفلسطيني بحقه الوجودي على لسان الإنسان الفلسطيني المقاوم:
سوف أبقى صلبا على الدهر عودي ** أبذل المستحيل دون وجودي
أكتب النصر بالدماء وأروي ** قصصا قبل روتها جدودي
* المحور الرابع: أمل التحرير والعودة مهما طالت الظلمة، وغالبا ما يتضمن هذا المحور الرمزيات البطولية التاريخية للعرب مثل المعارك الكبرى وأسماء القادة العظماء.
يقول عبدالرحمن العشماوي:
وأرى ملحمة تصنعها ** فرقة من جيشنا المنتصر
وأرى حطين أخرى تمتمت ** بخبايا غدنا المنتصر
أيها الأقصى سيطوي فجرنا ** ليل هذا الباطل المنتشر
كانت وستظل القضية الفلسطينية كما قال سمو ولي العهد محمد بن سلمان في القمة العربية 32 في جدة: «هي قضية العرب الأولى».
* مصدر الأبيات الشعرية: د. محمد حسن الزير، فلسطين في شعر المملكة العربية السعودية.