أ.د.صالح معيض الغامدي
يشهد المتابع للشأن الثقافي والأدبي في المملكة العربية السعودية تزايد أعداد السير الذاتية التي ظهرت مؤخرا بكل أشكالها، بحيث أصبحت متابعتها أمرا ليس باليسير حتى على المتخصصين في مجال السيرة الذاتية والمهتمين بشؤونها، فما هي أسباب هذه الطفرة السيرذاتية؟
هناك أسباب كثيرة متعددة بطبيعة الحال، ربما لا يمكن حصرها كلها هنا، ولكنا سنشير إلى أهمها، من منظور كتابها وقرائها على حد سواء:
1- انتشار ثقافة الشهرة والمشاهير في المجتمع، وتعلق كثير من أفراد المجتمع بها وبهم، مما أغرى بعض أفراد المجتمع بكتابة سيرهم الذاتية، إما رغبة في اللحاق بهؤلاء المشاهير أو رغبة في ترسيخ الشهرة التي حققوها إن كانوا من المشاهير.
2- ازدياد مساحة الحرية الشخصية في المجتمع وزيادة الشعور بالفردانيّة النسبية واتساع مساحة الحرية الشخصية بين كثير من أفراد المجتمع والرغبة الملحة في التعبير عن الذات وهمومها وقضاياها.
3- التقدم التقني وظهور منصات الكترونية متعددة مما سهل عملية الكتابة وزاد من فرص النشر بكل أشكاله الالكترونية والورقية والبصرية …إلى آخره.
4- المكانة التي حظيت بها السيرة الذاتية في المجتمع، بوصفها ضربا من ضروب الاستشفاء والتعافي من كثير من الصعوبات والمشكلات التي يواجهها الأفراد في المجتمع، فأصحبت السيرة الذاتية وسيلة جيدة للتحرر من كثير من الانفعالات والمشاعر السلبية المرتبطة بذلك.
5- الاهتمام المتزايد بالسيرة الذاتية في المجتمع، فقد خلق هذا الاهتمام الرغبة والدافعية في نفوس كثير من أفراد المجتمع لكتابة سيرهم الذاتية، وذلك من باب « إن الشجى يبعث الشجى»
6- يلعب فضول القراء دورًا رئيسا في الانجذاب إلى قراءة السير الذاتية لأنه يساعد على إثارة اهتمامهم وتفاعلهم مع سرود التجارب الشخصية التي يقرأونها للآخرين. فعندما يكون القراء فضوليين بشأن حياة كاتب سيرة ذاتية ما، فمن المرجح أن يكونوا أكثر انتباها للتفاصيل الدقيقة فيها، وانغماسا في تتبع مسارات السرد. فهم يسعون إلى اكتشاف الرؤى العميقة التي تكمن وراء الدوافع والقرارات والأحداث الموصوفة في السيرة الذاتية. إن فضول القراء يشجع على طرح الأسئلة المهمة المرتبطة بالسيرة الذاتية التي يقرأونها، وعلى التعاطف (أو عدم التعاطف أحيانا) مع انكسارات المؤلف وانتصاراته. كما يشجع الفضول كذلك على العثور على منظور أوسع للحياة وللتجارب الإنسانية المعيشة. وكلما كان القارىء فضوليًا أثناء قراءة السير الذاتية، فإنه يتمكن من تعزيز فهمه لوجهات النظرالأخرى وللثقافات المتعددة، وللرحلات الحياتية الشخصية المختلفة، وكل ذلك يؤدي في نهاية الأمر إلى نمو شخصيته هو أولا، وزيادة تفهمه وربما تعاطفه مع (أو حتى تقمصه) لأبطال السير الذاتية التي يقرأها ثانيا.