هبْ أنك قطعت وعدًا على نفسك لملاقاة أحدهم، في يوم زمهرير يكاد أن يتجمد كل شيء فيه بما في ذلك أنت من البرد، حتى أنك لتسمع صوت زمجرة الرياح تعصف بالأشجار فتتراقص هلعًا وتتقلّب ذات اليمين وذات الشمال، وتسمع صرير الأبواب فتكاد نبضات قلبك أن تقف من شدة هول الصرير وقوته، وتسمع صوت الرياح العاتية وهي تدك شبابيك غرفتك دكًّا حتى تكاد تقتلعها، ففتحت فيه جفونك وجسمك يرتعش من شدّة البرد ويجرّ اللحاف جرًا متشبثًا بالفراش الوثير، والوسادة الناعمة المحشوّة بالقطن المندوف، التي ما إن يضع امرؤ رأسه عليها إلا ويغشاه الوسن فينام ليحلم حلم الخلود، ويهنأ فيه بأحلى الرؤى، ثم أوشكت على الرقود حتى تُطلّ الشمس على خجل من بين السحاب فتنير أرجاء المعمورة بسناها الدافئ لولا أن منبهًا داخلك أشعرك بأن أحدهم ينتظرك، على مضض في هذا الجو المهيب ذي الرياح العاتية وكلّك داعٍ ينادي أن ارقد ففي الوقت متسع، ونفس تحنّ وتزجر أن ثبْ وثبة حصان فهناك من تعلّق جدول يومه لملاقاتك! فاستعنت بالله، ثم نهضت من فراشك بعيون ملؤها الحسرة بتوديعك للفراش، والشوق إلى طعم الوسادة الذي حرمك إياه اللقاء، وبعدها تهيأت كما يجب ولبست هندامك، ثم انطلقت إلى مكان اللقاء على بركة الله. وما إن وصلت إلى المكان إلا ومخيلتك قد صوّرت ذلك الشخص وقد نهض في ذلك اليوم القارّ ومرّ بحلقات من سلسلة أحداث ما مررت به لملاقاته. فترجلت من مركبتك، وطلبت القهوة التي يُحبّ، وجلست تنتظره فمضت ربع الساعة الأولى وبان على شفتيك ارتسام الصبر على هذي الدنا ولا سيما في هذا اليوم، ومضت نصف ساعة، وتلتها الساعة والساعتان، ولم يحضر ذلك الشخص، ولما اتصلت عليه ردّ عليك بصوت بارد كالثلج، بأني نسيت موعد اللقاء ويغلق الخط، ويذرك معلقًّا كعود أراك تتقاذفك الرياح يمنة ويسرة! بالله عليك لو كنت مكانه فما أنت صانع؟! أليس لك الحق بأن تشتاط غضبًا؟! ألا يثير ذلك أعصاب أشد الناس هدوءًا وبرودًا؟ إن الوقت مسلوب الحقوق عند معظم الناس، ولا يعرف قيمة الدقيقة التي تُشترى بماء الذهب ولا تُباع إلا من رحم الله، وهم أناس معدودون على أصابع الكف الواحدة. ألا يعلم أولئك الذين يُهدرون الأوقات الثمينة، ويفرطون فيها بأن المرء عبارة عن أيام، إن نقص يوم وانقضى، فقد اقترب الأجل ودنا؟! هلّا فتحنا دفتر حساباتنا كما يفتح التاجر دفتره فنجمع ونطرح لنرى محصلة أوقاتنا التي قضيناها، والثمار التي جنناها حتى الآن، ونتدارك ما بقي ونستثمره قبل هجوم الأجل؟
** **
- لطيفة السكيت