د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
ترى كثيرًا من مستعملي العربية اليوم ترك استعمال حروف المعاني استعمالَها الموجز، تجدهم يريدون (أما) فيلحقونها ما لا ضرورة له بل هو ترهل وزيادة لا قيمة لهما، فلا يتركون (أما) حتى يقولوا (أمّا بالنسبة لكذا)، أو (أما فيما يتعلق بكذا)، وهذا قريب من لغة العامة في نجد في تعبيرها عن (لأنّ) في التعليل بقولها (على شان انه). ولا تجد من وصفوا بالغيورين على اللغة من ينكر ذلك.
ويرون ترك حرف الشرط (إنْ) وجعل (في حالِ) في موضعه، وهو ترجمة حرفية للإنجليزية (in case)، ومع ذلك لا يزعجهم هذا.
وحرف (الباء) يجعلون في موضعه: بواسطة، ومن خلال، وعن طريق، ولا يحرك ذلك غيرتهم.
ويكاد يترك الناس بناء الفعل للمفعول. يستبدلون بذلك الفعلَ (تمّ) مسندًا إلى مصدر الفعل الأساسي، يفعلون ذلك للدلالة على كون الفاعل مجهولًا، والغريب أنهم يعودون إلى ذكر الفاعل في نهاية الجملة موافقين طريقة اللغة الإنجليزية، يقولون (تمّ افتتاح المصنع من قبل الوزير)، أما كان يسعهم أن يقولوا (اُفْتُتح المصنعُ؛ افتتحه الوزير)، ولكن ذلك لا يهمهم.
وهم يخالفون عن قاعدة من أهم قواعد العربية وهي المطابقة بين الوصف والموصوف؛ إذ يكاد يطّرد هذا في نعتهم المؤنث بالصفات المذكرة على بناء (الأفعل) مثل: الأهم والأقدم والأوسع، يقولون: المسألة الأهم، والكلية الأقدم، والصحراء الأوسع. ولا تحرك هذه المخالفة غيرتهم.
ولتصادفنَّ أكثرهم لا يفرقون بين (يَفْعَل) من الفعل الثلاثي المجرد و(يُفْعِل) من المزيد بالهمزة؛ لأنهم يفتحون حرف المضارعة منه، يقولون: يَلقي خطبة يريد يُلقي، ويَجري محادثة يريد يُجْري، ثم لا يجدون في أنفسهم شيئًا من ذلك.
وقريب من ذلك خلطهم بين الفعل المعتل بالألف والمعتل بغيرها عند إسناده إلى واو الجماعة، يقولون في مثل (الرجل دعا الضيوف): الرجال دعُوا الضيوف، بضم العين والصواب الفتح: دعَوا، أما (دعُوا) ففعل أمر من (يدَع) أي يترك. فهل يزعجهم هذا؟!
وتراهم يعاندون قاعدة الإدغام الواجب فيظهرون ما حقه الإدغام حين يقولون (المحاجَجَة)، و(المحاصَصَة) والصواب: المحاجَّة والمحاصّة، ولكنهم لا يتناهون عن مثل هذا.
وإنَّهم ليهدرون ظاهرة البدل في العربية، باستعمال (ممثَّلًا بـ) أو (ممثلَّة بـ) في موضع ذلك، نحو قولهم «وقعت الكليةُ ممثلة بعميدها العقدَ»، والصواب: وقعت الكليةُ عميدُها العقدَ.
وهم يُعرضون عن (المفعول المطلق) حين يُحلون محله اللفظة (بشكل) منعوتة بما يبين النوع، نحو «الكرة الآسيوية تطوّرت بشكل كبير»، يريدون: تطورت تطورًا كبيرًا.
سقت هذه المُثُل اليسيرة لأبين أنها أخطر وأحرى بأن تنال غيرة الغيورين الذين وُصفت غيرتهم بأنها محمودة؛ ولكن التعبير عنها متوقف فيه.
ثار الناس لغويون ومثقفون وغيرهم حين أعلن مجمع الخالدين قراره تعريب trend بلفظ (تِرِنْد) وكأنها المرة الأولى التي يُعرب فيها لفظ أعجمي، والعربية منذ الجاهلية عربت ما شاء الله لها أن تعرب، وربما استعمل المعرب واستمر استعماله، وربما نسي كما نست ألفاظ عربية كثيرة. فمن يستعمل لفظ (سكرجة) الوارد في صحيح البخاري (7/ 70) «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُسَ - قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ الإِسْكَافُ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عَلَى سُكْرُجَةٍ قَطُّ، وَلاَ خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ، وَلاَ أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ» قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلاَمَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: «عَلَى السُّفَرِ». وأين (الفالوذج) و(اللوزينج)؟.
إن الاستعمال أوالإهمال هو ما يحيي اللفظ أو يميته، والعربية محيط لا ساحل له، وليست هذه اللفيظة سوى قطرة في لجّته، وهي مع ذلك عربية الأصوات؛ فليس في أصواتها ما ليس مستعملًا في العربية، أعني التاء والراء والنون والدال. وجاءت بتعريبها على بناء عربي تراثي هو (فِعِلّ) الذي جاءت عليه كلمات ذكر منها ابن دريد في جمهرة اللغة (2/ 1164): فرس طِمِرّ: وثّاب، وَضِبِرّ، وفرس خِبِقّ: سريع العَدْو. وسِجِلّ: كتاب، وحِبِرّ وحِمِرّ: موضعان، وفِلِزّ، وَهُوَ خبَث الحَدِيد.
ولن تكون (تِرِنْد) سوى مرادفٍ لما يستعمله بعض الناس من مثل: رائج، أو متدال، أو شائع. فمن يرد إخمال اللفظ فليتجنبِ استعماله.
أعود فأقول إنه أمر لا ينتهي منه العجب السكوت على إفساد العربية أبنيتها وتراكيبها والتوقف في تعريب لفظة عربها علماء هم أهل للثقة وكان التوفيق حليفهم حين قاسوها على كلام العرب، وما قيس على كلام العرب صار من كلامهم.