أثارت عضوتا مجلس الشورى الدكتورة سلوى الهزاع والدكتورة خولة الكريع انتباه الرأي العام عما يحدث في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، وكان العنوان الأكثر تأثيراً أن تقرير مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، أصابها باكتئاب حاد بعد اطلاعهما عليه. وإن خدمات المستشفى المتواضعة فاقمت أمراض العيون لدى المواطنين، وتسببت بالعمى، وأن ما يجري في المستشفى أمر مخزٍ حسب تعبير الدكتورة سلوى الهزاع.
وقد نالت مثل هذه الحوارات بعض ثقة المجتمع في المجلس، بعد أن فقدت بعض منها في إقرار مسائل مثل لبس العباءة للمذيعات أو السماح بالتصفيق في داخل قبة المستشفى، ويدل ذلك أيضاً أن المرأه السعودية تشارك بقوة في مداولات المجلس، وتدق ناقوس الخطر عن مظاهر الفساد في بعض القطاعات، وكأنها تطالب أن تكون هناك هيئة للراقبة حول بعض القطاعات الطبية التي تحظى بميزانيات ضخمة، وتقصر فيها الخدمات، وتبرز المحسوبية و مظاهر الفساد الإداري.
ما أثارته الزميلات هو مجرد عنوان لصورة أكبر، فقد كانت ولازالت المملكة مهيئة لتكون المرجعية الشرق الأوسطية الأبرز في تقديم الخدمات الطبية المتخصصة في المنطقة، وأن تكون مزاراً للسياحة الطبية أن صح التعبير، وذلك نظراً لما تم تحقيقه من إنجازات تنموية بشرية وإنشائيه في القطاعات الطبية، لكن ذلك تقهقر كثيراً لأسباب كثيرة.
من أهمها المحسوبية والتضخم الإداري، والتي تقوم على توزيع المنافع المالية والإدارية على المحسوبين على الإدارة، وصرف الميزانيات الضخمة في بناء المباني والمنشآت، بينما تشكو القدرات البشرية من الإهمال وعدم تقدير المنجزات، وهو ما أدى إلى هروب بعض هذه القدرات إلى العمل في القطاع الخاص بعد الدوام اليومي، مما يستنزف طاقتهم، وذلك بسبب عدم التقدير المعنوي والمادي.
منها أيضاً البيروقراطية التي جعلت من «الإداري» الشخصية الأكثر نفوذاً والأكثر حصولاً على المنافع في منشآت طبية هدفها الأول تقديم الخدمات الطبية من قبل الطبيب والممارسين الصحيين، وحولت الطبيب والممارس الصحي إلى أشخاص هامشيين في سلم التأثير أو المنافع، وذلك بعد إلغاء الاجتماعات الشهرية للطاقم الطبي مع الإدارة، وهو ما أدي إلى انهيار مقاييس الرضى بين المممارسين الصحيين داخل تلك القطاعات.
ومن أسبابها التنظيم الإداري للمستشفيات المتخصصة، والتي جعل منها أشبه بالوزارة في هيكلها الإداري المتضخم، وهو نمط يخالف أبجديات التنظيم الإداري للمؤسسات طبية، ومن أجل إدراك حجم ذلك التضخم أقترح عمل مقارنة بسيطة بين التنظيم الإداري لمايو كلينيك على سبيل المثال، وبين أحد المستشفيات المتخصصة في المملكة.
ومن أجل تجاوز ذلك يجب تحويل المستشفيات الطبية التخصصية إلى مؤسسات غير هادفة للربح ومستقلة عن وزارة الصحة، والعمل على التقليل من التكدس الإداري الذي وصل إلى إرقام فلكية، وأدى إلى ظهور كادر إداري أشبه بالقبيلة الإدارية التي تأكل الأخضر واليابس، ويتجاوز أعضاؤها الطاقم الطبي بأضعاف.
ومن الأسباب أيضاً ضعف الكوادر الإدارية المتخصصة، والتي تخفي ضعفها الإداري بالتستر خلف المركزية الإدارية، والتي من أهم سماتها أن جميع القرارات والتوصيات يجب أن تمر من خلال مكتب المدير العام، وهو ما يؤدي إلى نزع الصلاحيات من الجميع، وتحويلهم إلى دمى متحركة تتحرك وتتوجه بالريموت كنترول، وينتج عن ذلك تعطيل العمل من خلال أنظمة وقوانين المؤسسة أو القطاع.
صرخة عضوتي مجلس الشورى يجب أن تفتح الباب على مصراعية للنظر في أسباب تراجع الخدمات المقدمة من بعض المستشفيات المتخصصة، والتي يُرصد لها ميزانيات ضخمة، وبرغم من ذلك تعاني من تدهور في الخدمات الطبية، وقد تؤدي في نهاية الأمر إلى ضياع العمل الجبار الذي تم خلال العقود الماضية في إنتاج الكوادر الطبية المؤهلة وبناء المنشآت العملاقة.
في نهاية الأمر يجب أن نهنئ مجلس الشوري على وجود أعضاء يحملون الهم الوطني، ولكن من أجل أن تكتمل الصورة يجب النظر في المستقبل في قضية اختيار الأعضاء الذين يعملون في قطاعات حكومية أو غيرها، وذلك لئلا تتضاد المصالح، ومنها على سبيل المثال أن الزميلتين ربما تواجهان كثيراً من الحرج لو أن مرجعيتهما في العمل كانت على طاولة مجلس الشورى للفحص والمراجعة والتدقيق.
وأخيراً، ومن أجل منح المجلس مزيداً من التحرر من القيود، يفترض أن يكون شرط الاختيار في المستقبل لأعضاء مجلس الشورى أن لا يكونوا مرتبطين بالعمل في جهة حكومية، وذلك لئلا يقعون في حرج تضاد المصالح، ويعتبر ذلك من أساسيات العمل النيابي، والله على ما أقول شهيد.