من المتعارف عليه ثقافيًّا أن جدلية حقوق المرأة هي في واقع الأمر صراع بين الذكور، أيّ أنه صراع بين الأقوياء، ويشهد على ذلك أن كثيرًا من النساء في السعودية يقفون ضد مفهوم حقوق المرأة المعاصرة وحريتها، كان آخرها على سبيل المثال مطالبة عضوة في مجلس الشورى بفرض لبس العباءة وغطاء الرأس على المذيعات في التلفزيون، وكانت مطالبة فيها محاكاة لسلطة الذكور الأقوى في المجتمع السعودي، بينما لم نسمع صوتًا ذكوريًا من الجانبين المحافظ والحقوقي يطالب بتقنين ملابس الرجال في الشارع أو التلفزيون.
موضوع سيادة الذكور أزلي، ويعود إلى بدء الخليقة، فالرجل يفرض سيادته وفلسفته وآراءه في أيّ مجتمع يحتكم لقوى الطّبيعة، ومن خلال مراجعة سريعة للرموز في التاريخ، كان جميع الأنبياء والفلاسفة والقادة في الماضي ذكورًا، كذلك يسيطر الذكور في العصر الحالي على مجالات الاقتصاد والسياسة والجيوش، كذلك ارتبطت معظم الاختراعات في التاريخ بالذكور، لكن تلك السيادة المطلقة تتخللها استثناءات إنثوية في التاريخ.
في علم الوراثة أيضًا يسود العنصر الذكوري، حيث يوجد اثنين من الكروموسومات الجنسية في الثدييات، بما في ذلك البشر، أحدهما (Y) الذكوري، والآخر هو كروموسوم (X)، وهما الكروموسومان المتعلقان بنوع الجنس في كثير من الأنواع، أيّ تحديد الجنس المولود الجديد للحياة ذكرًا أم أنثى، لكن الأهم في هذه الجزئية أن كروموسوم (Y) الذكوري هو الذي يملك حق السيادة في تحديد الجنس، فإن وجد الكرموسوم (Y) ساد العنصر الذكوري مهما كان عدد كروموسات الـ (X) في الخلية، بينما لا تسود الصفات الأنثوية الجنسية إلا في حالة غياب الكرموسوم (Y).
كذلك في عالم الغابة، الذي تكون فيه الحياة مثالاً للصراع الطّبيعي، يسود الذكور، وتَغلَّب القوة الذكورية على الجنس الانثوي، لذلك أصبح الأسد ملك الغابة، ولهذا تسود الأسماء الذكورية عند الحديث عن الحيوانات، فيقال الأسد والذئب والحصان وغيرها عند ذكر الفصيلة الحيوانية، كذلك تسود مفردة الإنسان الذكرية في فلسفة البشر، كإشارة لغوية للذكورية الطاغية في اللغة.
لذلك أنا من الذين يؤمنون أن الصراع الحالي في قضايا حقوق المرأة هو صراع ذكوري حقوقي منذ الأزل، ولو ترك الأمر للنساء لما استطعن الحصول على أدنى حقوقهن، والصراع الطّبيعي في التاريخ الإنساني بين الذكور الأقوياء هو الذي أوصل الحضارة الإنسانية الغربية إلى وجوب فرض قوانين للحد من العنف الذكوري، وقد كان خلف معظم تلك القرارات الحقوقية للنساء ذكور أقوياء يؤمنون بقضية الحقوق، بينما كان في الجهة الأخرى رجال دين يعترضون على مبدأ المساواة في الحقِّوق بين الرجل والمرأة.
كان الذكور خلف إصدار ثيقة حقوق الإنسان العالمية، ونصت المادّة 3 من قانون حقوق الإنسان على حق جميع الناس بالتمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في الوثيقة، على أساس من المساواة، وبناء عليه، ينبغي للدول أن تسعى إلى كفالة تساوي الرجال والنساء في التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في العهد، ولا تزال تلك الوثيقة محل اختلاف وخلاف في بعض دول العالم الثالث.
كما نصت وثيقة قانون العنف الدولي ضد المرأة على اعتراف ذكوري بأن العنف ضد النساء والفتيات هو أمر تمتد جذوره في عدم المساواة في علاقات القوة بين المرأة والرجل عبر التاريخ والبناء المجتمعي، ويستمر في كلِّ دولة في العالم باعتباره انتهاكًا صارخًا للتمتع بحقوق الإِنسان، كذلك صدرت قوانين في مختلف دول العالم ضد التحرش بالنساء واستغلالهن جنسيًا.
في المقابل نجحت سيادة بعض الذكور محليًا في أن يسحب مجلس الشورى قانون مكافحة التحرش، وذلك بناء على رفض بعض الأشخاص له مُعللين بأن المشروع سيعزز ويهيئ «مفهوم الاختلاط» بين الجنسين في المجتمع، وكان المشروع المعروض يُعدُّ السلوك تحرّشًا جنسيًا معاقبًا عليه - بموجب هذا النظام- كل قول أو عمل أو إشارة أو من اتخذ موقفًا لا تدع ظروف الحال شكًّا في دلالته على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر، أو إهانته أو استفزازه أو تحقيره بسبب جنسه.
كما ترفض سلطة الذكور الأقوى في المجتمع السعودي قانون حقوق الإنسان الذي يساوي بين الجنسين في الحقِّوق، ويرجعون ذلك لأسباب دينية، لكنهم خسروا بعض من فصول المعركة، ومنها حق المرأة في التَّعليم والعمل، وحقها في الابتعاث، وحقها في السفر والخروج، وما زال الصراع حول حقوق المرأة في قيادة المركبة ينتهي دائمًا بانتصار وجهة النظر المضادة.
ختامًا، يبدو أن الصراع الحالي بين الذكور حول حقوق المرأة أشبه بالمقدمة النخبوية في قضايا صراع الذكور الأقوياء، وقد يتم تجاوز مسألة المرأة وحقوقها، وإن حصل، سيكون للصراع بين الذكور فصول أخرى، من أهمها وأكثرها شراسة الصراع من أجل تحقيق المساواة بين الذكور أنفسهم، والله المستعان.