كان العرب في الجاهلية لا يورثون النساء, ويقتصرون بالميراث على الرجال, بحجة أن الرجال يستفاد من قوتهم وتحملهم في المعارك والحروب, بعكس النساء اللاتي يتَّصِفن بضعف البنية الجسمانية مقارنةً بالرجال فلا يستفاد مِنهُنَّ في مجال الحروب.
لذا أنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (7) سورة النساء. ليُبينَ للناس بأن منهج الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لنا يستوي فيه الرجال والنساء, الأقوياء والضعفاء.
إلا أنه للأسف الجهل في التقيد بشرع الله تعالى ليس مقصوراً على فترة الجاهلية فقط, بل إن الحال نفسه يتكرر مع بعض الرجال في مجتمعنا السعودي, بعدم إعطاء المرأة حقوقها من الإرث كما نَصَّ الشرع بذلك.
صحيح بأن بعض النساء في مجتمعنا السعودي قد يأخذنَّ حقوقهنَّ من الإرث, ولكن هناك في الجانب الآخر بعض النساء لم يأخذنَّ حقوقهنَّ أيضاً (وهذا ما سأُسلِط الضوء عليه هنا في هذا المقال).
فالواقع يشير إلى أن بعض النساء يُظلَمن وتُؤخَذ حقوقهنَّ من أقرب الناس لهنَّ أخاً كان أم ابناً, وذلك نتيجةً لطمع وجشع الرجل ليجمع أكبر قدرٍ من المال بأي طريقةٍ حلالاً كانت أم حراماً!!
فكم من أُمٍ ظلمها أبناؤها!!
وكم من أُختٍ ظلمها إخوتها الرجال!!
حتى إننا لنجد بأن بعض الرجال قد تفننوا في طريقة ظلمهم بعدم إعطاء المرأة إرثها, فكل رجلٍ يتبع عادات وتقاليد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان لكي ينتزع من أمه وأخته نصيبها من الإرث, مع أنهم يقرؤون القرآن الكريم والأحاديث النبوية, ولكن بدون تفكرٍ ووعي بها.
فهم يقرؤون هذه الآية الكريمة: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (11) سورة النساء.
ويقرؤون حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار, وحرم عليه الجنة, فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: وإن قضيباً من أراك).
ولكن للأسف دون تفكر وتطبيق بها في حياتهم!!
فاكتفوا بها قولاً دون فعل!!
فعادات بعض الأُسر بأن المرأة ترِثُ عند وفاة أمها, أما عند وفاة أبيها فإنها لا ترِث, وتبقى تحت رحمة مزاج إخوتها الرجال لمنحها مبلغاً مالياً بعد مرور فترة زمنية معينة (وكأن لسان حال إخوتها الرجال يقول: نعطيك من حقنا, وليس من حقك في إرث أبيك) فهم أصحاب الفضل عليها!!
وتقاليد بعض القبائل بأن المرأة عندما ترِثُ من أبيها أو أمها فإنها ستنفقه على زوجها وأبنائها وبناتها, وذلك في حد ذاته (مصيبة كبرى) لدى إخوتها الرجال, أما بالنسبة لهم الرجال فمن حقهم أن يتصرفوا بالإرث كما يشاءون, فهو حلال عليهم, وحرام عليهِنَّ!!
وعادات بعض العوائل بأن تتنازل المرأة بكامل إرثها لإخوتها الرجال, وإلا فإنهم سيقطعون صلتهم بها, فتتجه المرأة إلى أقرب محكمة للتنازل من أجل أن تشتري أُخوة رجال قد باعوها مسبقاً!!
ومما يزيد الأمر تعقيداً بأن تجد هناك بعض الآباء قد يساعدون في حِرمان المرأة من الإرث وذلك من خلال كتابةِ وصيةٍ أو بالتنازل (قبل وفاته) عن كل ما يملك من مال وعقار وذهب ونحو ذلك لأبنائه الذكور من غيرِ الإناث!!
إن الحل في مثل هذه القضايا لا يحتاج مني إلى وضع اقتراحات أو فلسفات, بل هو موجود في نصوص القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية, التي بينت وجوب إعطاء كل ذي حقٍ حقه من الإرث امرأةً كانت أم رجلاً.
حكمة.. يقول معاوية رضي الله عنه: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليَّ ناصراً إلاَّ الله.