وصفَ الأستاذ الدكتور حسن حجاب الحازمي كتابه الصادر مؤخرًا: (المجالس والصالونات الثقافية في منطقة جازان خلال العهد السعودي) بأنه امتدادٌ لجهود والده الأديب والمؤرخ الثقافي الكبير حجاب الحازمي؛ وهذا الوصفُ يتضمن إلى البِرِّ والوفاء، تأكيدًا على استمرار هذه الأسرة العلمية المباركة في خدمة الثقافة والأدب في منطقة جازان من خلال التأريخ، والبحث، والمحاضرة، والتأليف حول جوانب ثقافية شتى؛ وهي جهود قديمة وعظيمة تستحق أن تُدرس وتُعقد حولها الندوات.
وقد وضع الدكتور الحازمي في عنوانه مُحَدِدًا مكانيًّا: (منطقة جازان(، ومُحَدِدًا زمانيًّا: (العهد السعودي)، ويمهد لموضوع كتابه بمقدمة مفاهيمية، وأخرى تاريخية للمجالس الثقافية في التراث العربي، عَادًّا ما كان يدور في أسواق العرب شكلاً مبسطًا للمجالس الأدبية؛ التي ظهرت في العصر الأموي، وازدهرت في العصر العباسي، ثم استمرت حتى عصرنا الحاضر. يعرض الدكتور الحازمي بإيجاز للمجالس الثقافية في المملكة العربية السعودية، متناولاً أبرزها وأكثرها أثرًا على امتداد الوطن السعودي.
ويُقدِّم بمدخلٍ عن الحركة الأدبية في منطقة جازان قبل العهد السعودي، ذاكرًا بعض مشاهير أدبائها، عبر العصور الإسلامية ابتداءً بالشاعر (أبو الحسن التهامي) في القرن الخامس الهجري.
ويقسِّم الدكتور الحازمي الفترة التي تناولها في كتابه إلى مرحلتين زمنيتين: المرحلة الأولى: ما بين عام (1351هـ ) وعام(1400ه)، وتتناول الحراك الثقافي والأدبي الذي تجدد نشاطه مع بداية العهد السعودي، بحركة ثقافية نيِّرة؛ كما وصفها العقيلي، تمثلت في عددٍ من المجالس الثقافية، التي نشطت ولكنه نشاط غير منتظم، ومع ذلك فهو مؤشرٌ على حراكٍ ثقافي مُبكر؛ شجَّع عليه أمراء منطقة جازان الأوائل المحبون للشعر والأدب.
وكان أطولَها عمرًا، وأعظمَها أثرًا مجلسُ عبدالقادر علاقي، ومجلسا أميري منطقة جازان: (محمد بن عبدالعزيز الماضي، وخالد بن أحمد السديري).
ويرى الحازمي أن تأسيس نادي جازان الأدبي (عام 1395هـ) ملأ فراغًا، وحقَّق للأدباء ما يصبون إليه من خلال ملتقى رسمي ودائم، فانتظموا في متابعة نشاطاته، واندمجوا في لقاءاته.
المرحلة الثانية: ما بين عام: (1400هـ) وعام (1445هـ)، وفي هذه المرحلة ازدهرت وانتظمت المجالس الثقافية، التي عدَّد المؤلف منها ثلاثة وعشرين مجلسًا أدبيًا وصالونًا؛ من بينها ثلاثة صالونات نسائية.
رتبها ترتيبًا زمنيًّا؛ حسب نشأتها، وعرَّف بأصحابها، وأماكن إقامتها، ومواعيدها، وتاريخ نشأتها، وأهم نشاطاتها، وصولاً إلى الأثر الثقافي والأدبي لكل صالون في منطقة جازان، وعلى مستوى الوطن.
وفي عرضه لكل مجلس أدبي يحاول الدكتور الحازمي استيفاء معلومات المجلس، وما يميز كل مجلس عن سواه، مستعينًا بالاستبانات، وعن طريق التواصل المباشر مع أصحابها ما أمكنه ذلك، ومن خلال متابعة ما نُشر من نشاطاتها.
ولهذا الكتاب أهمية بالغة؛ فهو يؤرِّخ للمجالس الثقافية خلال مئة عام تقريبًا، في زمنٍ كانت هي المحرك الثقافي الأهم، في بقعة جغرافية هي الأنشط ثقافيَّا في تلك الفترة، كما أن هذه المجالس -على أهميتها - مغفول عن توثيقِ نشاطها، إضافة إلى الأسلوب الذي عُرفت به بحوث الدكتور الحازمي من الوضوح، والإحاطة، والمنهجية العلمية، والصلة الوثيقة بمصادره؛ سواء المكتوبة أو الشفاهية.
** **
- إبراهيم مضواح الألمعي