أ.د.صالح معيض الغامدي
يمكن النظر إلى طبيعة السرد في السيرة الذاتية على أنه نوعان: السرد المباشر، وهو سرد الذات عن نفسها بنفسها وهو السرد الرئيس في السيرة الذاتية؛ والسرد غير المباشر وهو سرد الآخرين عن الذات، وهو السرد الذي ينقله كاتب السيرة الذاتية عن أشخاص آخرين حول جوانب من حياته وبخاصة قي مرحلة الطفولة، إذ كثيراً ما يورد كاتب السيرة الذاتية حكايات وأحداثا سمعها من أبويه أو أقربائه، أو حتى من المجتمع الذي عاش فيه بشكل عام، تروي شيئا من سيرة أبائه وأجداده (النسب) وسيرة ما قبل ولادته وما بعدها قبل بلوغ مرحلة الوعي بالذات وبمن حولها . ومن العبارات التي تستعمل عادة ، « قالت لي أمي» أو «قال لي أبي» أو «درجت وأنا أسمعهم يقولون عني» ... وأمثالها من العبارات التي توطئ لسرد ما يرويه الآخرون حول كاتب حياة السيرة الذاتية.
ولا يقتصر توظيف هذا النوع من السرد في مرحلة الطفولة وما قبلها، بل قد يوظفه كاتب السيرة الذاتية في جميع فصول السيرة، ليرينا وجهة نظر الآخرين في أحداث حياته سلبا وإيجابا، في معرض سرد نجاحاته وصداقاته وفي معرض سرد إخفاقاته وخصوماته على حد سواء.
وهناك وظائف عديدة يمكن أن يؤديها هذا النوع من السرد المساعد أو المعين، ولعل من أهمها:
1- الوظيفية التأثيلية، وهي الوظيفة المرتبطة بسرد نسب الكاتب وتاريخ أسرته وأبويه وغيرهم، فهذه الوظيفية من شأنها تأصيل ذات الكاتب في أسرة ممتدة النسب وعريقته، قد يمدها بعضهم إلى عهود قديمة جدا، وهم بذلك يعطون لذواتهم وحياتهم جذورا ممتدة في الزمن القديم. على أن الاهتمام بهذا البعد التأثيلي يتفاوت في درجته من كاتب إلى آخر، بل إن بعض الكتاب قد لا يعيره كبير اهتمام، لأسباب مختلفة لا مجال لذكرها في هذه المقالة القصيرة.
2- الوظيفة التكميلية الفنية، إذ يقوم هذا السرد بملء الثغرات التي تتخلل قصة حياة الكاتب من البداية إلى الفترة التي يقرر أن يكتب سيرته فيها. فكاتب السيرة الذاتية لا يمتلك من أحداث حياته في مرحلة الطفولة المبكرة إلا ما يرويه له أبواه أو أقرباؤه، ولكي يسرد قصة محبوكة لحياته في هذا المرحلة المبكرة من حياته لا بد أن يستعين بما حدثه به الآخرون ليخلق بداية جذابة منطقية لسيرته يكون فيها النص نصاً سردياً متوالياً متتابعا لهذه المرحلة المبكرة من العمر، مع توظيف قدر من « الخيال الحقيقي» أحيانا ، وقد تحدثت عن الخيال الحقيقي هذا في مناسبة سابقة، وربما أفرد له مقالا هنا.
3- الوظيفة التفسيرية، وفيها يستعين الكاتب بسرد ما يقوله الآخرون حول تفسير أحداث حدثت وكان لها علاقة بشخصية الكاتب بطريقة أو بأخرى، وبدت غامضة أو غريبة على كاتب السيرة.
4- الوظيفة التبريرية، وفيها يستعين الكاتب بسرد أقوال الآخرين فيه التي تبرر بعض القرارات التي اتخذها أو الأعمال والأفعال التي قام بها، وبخاصة المثيرة والصادمة منها.
5- الوظيفة الإقناعية، إذا يحاول كاتب السيرة الذاتية إكساب سيرته درجة معقولة من المصداقية، وذلك بمحاولة إقناع القارئ بصحة بعض أحداث حياته وتجاربه فيها من خلال سرد ما قاله الآخرون عنها من شهادات تتفق مع موافق الكاتب، أو حتى التي لا تتفق معه لأنه يريد أن يبدو موضوعيا في سيرته .
هذه فقط بعض الوظائف المهمة للسرود المساعدة في السيرة الذاتية، وهناك وظائف أخرى بالتأكيد يمكن لقراء السيرة الذاتية الوقوف عليها، مع إدراك أن بعض كتاب السيرة الذاتية قد يوظف وجهات نظر خارجية في سيرته على نطاق واسع، بينما قد يركز البعض الآخر أكثر على أفكارهم وتجاربهم الخاصة فقط. وفي النهاية، فإن قرار تضمين السرود المساعدة في السيرة الذاتية وحجمها قرار شخصي يحدده مؤلف السيرة الذاتية استنادا إلى أهدافه ونواياه وخياراته الفنية والأسلوبية والتوثيقية!