د.منال بنت عبدالعزيز العيسى
كنت ومازلت أتابع كغيري المنجزات الأكاديمية البحثية فيما يخص المنجز الأدبي والفني للمملكة العربية السعودية ؛ فأشعر بجناية كبرى بحق المنتج الحضاري السعودي بشكل عام والأدبي والفني بشكل خاص للأسباب الآتية:
- ضعف المناهج الأكاديمية وعدم تحديثها بما يتوافق ومستجدات العصر الحديث جدا الذي تعيشه المملكة العربية السعودية
- التمركز حول المنتج العربي بأزمنته وأمكنته المتعددة فيما يسمى مجازا (العصور الإسلامية وما بعدها).
- توجيه الأساتذة العرب المتعاقدين مع الجامعات السعودية طلبتهم لدراسة المنتج العربي لأوطانهم بشكل لافت للنظر ومستنسخ في معظمه؟
- جناية الفكر النقدي الأكاديمي العربي التقليدي في إعادة درس الموروث الأدبي العربي بأدوات نقدية عفا عليها الدهر لكثرة ما أكل وشرب منها؟
- الغياب التام للدرس النقدي الجمالي بأدوات فلسفية فكرية حديثة تعيد بث الروح في المنتج الأدبي والفني بشكل عام والسعودي بشكل خاص
- تكرار واستنساخ الموضوعات البحثية وغلبة المقدمات التنظيرية؛ مما تسبب في ترهل البحث العلمي.
- غياب الحافز المعنوي للدرس العلمي والبحث الأكاديمي؛ لكونه أصبح مرتبطا بالحصول على درجة علمية دون تميز بحثي واضح؟
هي أسباب تتبعها أخرى حسب المستجدات البحثية التي تجنت على المنجز السعودي بآدابه وفنونه وراحت تنقب في صخر عن موضوعات عفا عليها الزمن وبأدوات بحثية مستهلكة لن تقدم أو تؤخر في المنجز البحثي الجاد، بالتالي نحن أمام إشكالية بحثية لافتة للنظر جثمت على صدر البحث العلمي الجاد سنوات عدة؛ ليتحول المنتج البحثي لأطروحات مستنسخة في فكرتها ومنهجها وأدواتها دوت تميز يجعلها منارة علمية لغيرها من طلبة العلم.
وقد يقول قائل: هناك أطروحات عدة في الأدب السعودي أنتجتها الجامعات السعودية أقول: نعم لكنها مازالت دون المستوى المأمول سواء أكان ذلك في فكرتها أم أدواتها أم نهجها أم مخرجاتها ونتائجها.
والأغلب الأعم هو توجيه الأبحاث نحو وجهات تقليدية مازالت تنحت في صخر الأدب الجاهلي والعباسي والأندلسي وأدب المهجر وفق مناهج بلاغية تقليدية أو تاريخية خارجة عن النص أو نصية جامدة تفكك ولا تخرج بنتائج ذات أهمية؟؟
عاد الفكر الغربي للفلسفة اليونانية في حركة إحياء استفاد منها لإعادة النظر في المنتج الأدبي والفني الغربي؛ فكانت النظريات والمناهج والأدوات البحثية الجديدة، فما الذي ينقصنا وقد عدنا سنوات عدة لتلك العصور ثم ماذا؟؟
استنساخ مكرر، بنتائج شبه مكررة تختلف فقط باختلاف المداخل البحثية؟
في هذه المرحلة التاريخية الهامة في المملكة العربية السعودية يتوجب على البحث الأكاديمي(فيما يخص العلوم الإنسانية والاجتماعية) أن يعيد النظر في أهدافه ورؤيته ومخرجاته؛ ليتواكب مع المنجز الواقعي للحضارة السعودية الضارب في القدم بتاريخه وإرثه الفني والأدبي دون أن تكون اللهجة عائقا في تلك الدراسات والأبحاث؛ إذ ينبغي التعامل معها كموروث بشري له دلالات إيديولوجية هامة تتجاوز الرواية والقصة القصيرة والشعر السعودي في مراحله القديمة؟؟
المنجزات الحضارية السعودية بآدابها وفنونها ليست رواية وقصة فقط، وهذا ما تعتاش عليه الأبحاث العلمية حاليا، المنجز الحضاري السعودي أكثر اتساعا وشمولا وقيمة وتنوعا جغرافيا قاريا وآخر زمانيا تاريخيا يحتاج لشحذ الهمم وإعادة النظر في تلك الدراسات والأبحاث.
انطلاقا من ذلك اقترح الآتي:
- فتح مجالات البحث للدراسات اللغوية الخاصة باللهجات السعودية في المملكة العربية السعودية.
- السماح بدراسة الموروث الشفهي إذا كان موثقا.
- السماح بدراسة الشعر الشعبي بأنواعه.
- دراسة الفنون السعودية تأصيلا وتأريخا؛ للبحث في علاقتها بالحضارة السعودية.
- التركيز على الدرس البحثي المناطقي للمملكة العربية السعودية ؛ بهدف تمييز آداب وفنون مناطق المملكة والبحث عن خصائصها اللغوية والموضوعاتية والإيديولوجية والأنثروبولوجية.
- عقد شراكة بين قسم اللغة العربية وكلية الفنون ووزارة الثقافة السعودية؛ لإنجاز أبحاث نوعية خاصة بالإنسان السعودي وأدواته الحضارية سواء أكان ذلك في لباسه أم أغنياته الشعبية أم الأمثال التي يستخدمها.
- تخصيص جائزة تحفيزية من وزارة الثقافة لأفضل بحث أكاديمي خاص بالفن والأدب السعودي عبر لجان علمية متخصصة.
- طرح منح دراسية للطلبة المتميزين لدراسة الفنون والآداب السعودية من قبل وزارة الثقافة.
وبذلك نتجاوز الجناية الأكاديمية التي حصرت أبحاثها وجندتها لخدمة الآداب والفنون العربية دون وعي بأهمية تصدير الفكر والرؤية البحثية السعودية وفق هوية وطنية جادة تبحث وتدرس وتستكشف منجزاتها الحضارية، وقد سخرت الدولة- حفظها الله- كل الإمكانات لذلك الدرس من خلال وزارة الثقافة وروافدها والجامعات السعودية بشكل عام وجامعة الملك سعود الرائدة بشكل خاص التي عودتنا على حمل منبر التجديد والقيادة في كافة التخصصات والعلوم، وبذلك نتخلص من ترهل واستنساخ الأبحاث العلمية ونتميز بأطروحات وطنية ذات أبعاد حضارية تدرك أهمية التغيير ومسايرة واقع حضاري سعودي تاريخي في عصر الأمم، يستحق منا جميعا الإعلاء من شأنه وإعادة دراسته بما يتوافق وقدراتنا العلمية الجادة وأيضا منجزاتنا الأدبية والفنية اللافتة للنظر عالميا..
** **
- أستاذ النقد والفلسفة جامعة الملك سعود