سهام القحطاني
«إن احتفاءنا بهذه الذكرى؛ هو احتفاء بتاريخ دولة، وتلاحم شعب، والصمود أمام كل التحديات، والتطلع إلى المستقبل، والحمد الله على كل النعم» خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود
التاريخ أساس هوية الشعوب، وليس -فقط- ذاكرة بأثر رجعي للشعوب وعندما نقول إنه أساس الهوية فهذا يعني أنه محور بنية عظمة الشعوب في جميع أشكال ثقافتها وتحولاتها الحضارية عبر سلسلة أجيالها.
فالتاريخ حلقة الوصل الخالدة بين الماضي المؤُسِس لتلك الهوية في أصل عظمتها، والحاضر القائم على أصوله والممثِل لقيمه، والمستقبل الذي يرسم خارطة أحلامه ويُبنى إنجازاته وفق الوحي الأول لنص ذلك الأصل في مبتدأه وصفاته وكيفياته.
وذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة الذي تضم أقدس الأماكن على وجه الأرض، والعظيمة التي تتميز جذورها بالعراقة والبطولة، وحاضرها بالإنجاز الذي تحدى المستحيل فحوّله إلى واقع ينبض بقدرة قيادة وشعب آمنا منذ المبتدأ بقدرتهما على تحقيق الأحلام مهما بدت للآخرين بالإعجاز، فإيماننا بقدراتنا هو الذي يحول الإعجاز إلى إنجاز وهذا الدرس الأولي في تاريخ التأسيس.
إن ذكرى التأسيس ليست مجرد كلمات وأغان وفعاليات، وإن كانت قوالب التعبير تلك ذات أهمية في توثيق وجدانياتنا واعتزازنا بهذه الذكرى التي يجب أن تظل مصدر ضوء خالد نسترشد به في حاضرنا ومستقبلنا في صيغ فرح مبهجة تليق بالقيمة الاستيعابية لأهمية هذه المناسبة بالنسبة لنا كبطولة ومجد، ولكنها قبل ذلك «رمزيّة» لعظمة القيمة نبني من خلالها فكر ثقافة، أي كيف نستثمر ذكرى التأسيس في صياغة الفكر الثقافي وقيمه وإنجازاته وخاصة للشباب خارج إطار الاحتفالات. في زمن أصبح القابض على هويته كالقابض على جمرة.
علينا أولاً أن نؤمن أن ذكرى التأسيس هي ترسيخ لقيم ثقافية كبرى، يجب أن تظل حاضرة بالتداول عبر وسائط المُعادِلات وتمثيلاتها، فالتاريخ ليس مجرد حكايات، بل هو قيم، قيم مطلقة الاستفادة صالحة لكل زمان ومكان، هي محتوى لبنى عقلنا الثقافي وليست خاصة بمفكرتنا الوثائقية؛ كيف نتعلّم من هذه الذكرى؟ كيف نحاكي مجدها و بطولاتها؟ كيف ننجز لتظل وحيّ إلهام؟ كيف نظل في تعادل مع فكر الاحتواء مع الجذور دون غلبة التقليد لتبقى قيّمًا مضافة تعلو ولا تترسب.
فالبطولة والانتماء والوحدة والإنجاز والمسؤولية من القيم الكبرى لهذه الذكرى العظيمة التي يجب أن نوثّقها في تمثيلات فكرية وثقافيّة للأجيال، ليس فقط عبر الهوية البصرية أو الاحتفاليّة، بل والأهم من ذلك من خلال الهوية الفكرية وهذه مسؤولية الثقافة و التعليم، كيف نحول عظمة هذه الذكرى إلى أسلوب حياة.
إن المتلازمات الزمنية للأحداث العظيمة وإن كانت ذكرى دائمة الاستيقاظ، إلا أنها قد لا تضمن لنا استمرار الأثر المتداول لهذه الذكرى، فالاحتفال بذكرى التوحيد وذكرى التأسيس، يجب أن يظلا حاضرين طول العام في مشاركة مستدامة لكل إنجاز وفعل وفكر ثقافي، ليظل رابط التوثيق قائماً بينهما وبين الشباب، فالحضور الدائم للتاريخ أمام الشباب هو حماية لهم من كل تغريب و تخريب، وبث مباشر لعظمة هذا التاريخ الذي أسس دولتنا العظيمة عراقة و مجدًا.
إن إشكال القيم تتغير لكن مضمونها يظل مطلقا غير قابل لتزمين الصلاحية، فبطولات التأسيس ما تزال قائمة برمزيات مختلفة،منذ الإمام محمد ين سعود -رحمه الله- ثم المؤسس الخالد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله- إلى بطل الرؤية والتنوير والمجدِد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله - فكل منهم ممثل لرمزية البطولة في دلالة مختلفة، والقياس ممتد على هذه الخطيّة، فالتطور بطولة و الإنجاز بطولة، و التحدي لكسر حاجز الإعجاز بطولة، و بذلك فمفهوم البطولة تحول من قيمة تاريخية إلى رؤية تنموية وحضارية.
إن التأمل في العروة الوثقى لعقيدة الولاء والانتماء بين شعب هذه الدولة المباركة و قيادته الرشيدة، منذ المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود-رحمه الله- حتى اليوم، قد يُبهر كل مؤرخ لمعرفة سرّ هذه الولاء و الانتماء الذي امتدّ ثلاثة قرون و سيظل إن شاء الله بين هذا الشعب و قيادته الرشيدة التي تؤمن بأن مواطن هذا البلد المبارك هو المبتدأ و المنتهى.
والسرّ هو أن هذه القيادة العظيمة منذ الجدّ المؤسس ثم الابن الموّحِد حتى الحفيد المُجدد ،أحبّوا هذا الشعب فأحبهم و سيظل هذا الشعب على هذا الحب أبد الدهر إن شاء الله، فثبات قيم العدل و العدالة و المساواة والإنسانية و الخير التي ترسخ في ضوئها هذا الحكم المبارك منذ التأسيس وحتى اليوم، هم سرّ عقيدة الولاء و الانتماء لهذه القيادة العظيمة و البلد المبارك، الذي نفتخر بعراقة و مجد تاريخه ولنُثبت للعالمين بأن وراء كل شعب عظيم تاريخ عظيم، وراء كل دولة عظيمة تاريخ عظيم، وراء كل إنجاز عظيم تاريخ عظيم؛ فعظمة تاريخ الأجداد مُلِهم لعظمة إنجاز الأحفاد، وفي ذلك فليتأمل المتأملون.