د. محمد عبدالله العوين
على الرغم مما واجه الدولة السعودية منذ قيامها 1157هـ من مخاطر وتحديات داخلية؛ إلا أن مشروع الوحدة الوطنية سار في طريقه بعزيمة الرجال إلى عام 1233هـ في عهد الإمام عبد الله بن سعود حين رأت الدولة العثمانية سرعة تكون وتمدد الدولة الناشئة، وما يمكن أن تشكله من خطر على زعامتها الدينية التي منحتها القوة والدعاية والانتشار في أجزاء كبيرة من وسط أوروبا وشرقها، وفي المنطقة العربية أيضا قبل أن تتأصل وتتضخم عقدة تتريك المنطقة وانتزاع هويتها العربية في العقود الأخيرة من عمر دولة بني عثمان.
لقد توقفت مسيرة الدولة السعودية الأولى 1233هـ على يد الإمام عبد الله بن سعود بفعل غزوات الأتراك، ثم نهضت من كبوتها المفتعلة بفعل خارجي على يد الإمام تركي بن عبد الله 1240هـ أي بعد سبع سنوات فقط من محاولة إسقاطها، وتوقفت مرة ثانية 1309هـ بعد خمسة وعشرين عاما من الاختلافات والنزاع بعد وفاة الإمام العظيم فيصل بن تركي 1282هـ ولكن تأثير الغزو التركي المصري للدولة السعودية كان لا زال حاضرا وبقوة، وهو ما قسم البلاد إلى مناطق متنازعة الولاءات، ودفع الأتراك بزعامات جديدة إلى الواجهة لتحل محل الزعامة الشرعية، واستخدم الغزاة أيضاً البعد الديني لتمكين من يريدون.
إن توقف مسيرة الدولة كان بتأثير الخطر الخارجي الذي شكلته قوة جبارة - آنذاك - هي القوة التركية الغازية ومن تحت يديها من الأتباع والموالي والمماليك من مصريين وسودانيين ومغاربة وشركس وشوام وغيرهم ولم يستطع أبناء الجزيرة العربية - آنذاك - لها رداً ولا صداً؛ مع ما سطره الأبطال المدافعون والبطلات المدافعات من قصص الشجاعة النادرة والفداء العظيم والتضحيات الجمة؛ لقد كان مجتمعا جديدا بدأ يتوحد في هيئة « دولة « لأول مرة منذ عام 36هـ حين هاجرت الدولة العربية الإسلامية على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه من المدينة إلى الكوفة وبقيت الجزيرة إمارات صغيرة ضعيفة متنازعة إلى علم 1157هـ.
كان مجتمعا جديدا يبحث عن طريقه برؤية فكرية وسياسية آخذة في النضج جيلا بعد جيل على يد الأئمة والفقهاء ولم تتح الفرصة لها كي تستقر لتجري عليها من الإضافات والمراجعة والتعديل والاجتهاد ما يرسخ الرؤية ويمكنها ويزيدها قوة ومتانة ويشذب ما يعلق بها من اجتهادات ومفهومات شخصية قد لا تكون متفقة مع المنهج السليم.
لم تدع المكايد فرصة للنضج وللتعديل وللإضافة بتأثير التطور مع الزمن؛ بل سعت مبكرة لإجهاضها كي لا تصل إلى تلك المرحلة المنتظرة التي ستكون عاملا قويا لانتزاع راية قيادة العالم الإسلامي من أيدي العثمانيين إلى أيدي السعوديين؛ ولذلك عجل الباب العالي في الآستانة بحملات الغزو الآثمة، ولو لم تعتد دولة بني عثمان لاعتدت الحملات الفرنسية على يد نابليون التي وصلت إلى مصر لهذا الغرض اللئيم.
الخطر الأكبر دائماً يكمن في أحابيل ومكايد الآخر كدولة لا كمجتمع داخلي؛ والدافع خوف من سطوة أو قوة أو نفوذ الدولة الناهضة؛ ولذلك تختلق الأكاذيب لبث الكراهية وتشويه الصورة وتجييش المشاعر المضادة؛ كما يفعل الفرس الآن من اتهامات باطلة وتسميات مضللة وأكاذيب ملفقة يفتعلها من ينوون شرا لإيجاد مسوغات للعداء؛ بينما لا يستدعي أمر العداء الموجود سلفا أية اجتهادات لتخليق القصص المغلوطة وإطلاق التسميات المحرفة عن دلالاتها كالوهابية على أنها مذهب جديد أو دين جديد؛ كما توحي بذلك أبواق الفرس الحاقدة التي لا تشتغل على تأليف ما تلفقه عبثا؛ بل وفق «سيناريو « معد ومكتوب بعناية.
كانت دولة بني عثمان الخطرَ الأكبرَ، واندثر وزال، واليوم يتجدد خطر جديد أكثر فحشاً وفجوراً وحقداً يكمن في الفرس المتعمم بالتشيع كذباً وزوراً!
إن الخطر الأكبر الذي نعيشه اليوم لا يكمن في الداخل أبداً؛ بل تصطنعه وتكونه وتضع له خططاً دولة تشكل عداؤها منذ بزغ فجر الإسلام ووقعت القادسية ويعينها الآن أعداء في ثياب أصدقاء.