عبد الرحمن بن محمد السدحان
- تعاني بلادنا من تراكم العمالة الوافدة إليها بأعداد قياسية تنتشر في حواضرها وبواديها، وسهولها وجبالها، تصطاد فرص العمل حيثما وُجدت، وبأي أجر كان، وتلتهم شريحة ثمينة من الدخل، يتحول معظمها إلى عملات صعبة تغزو قارات الأرض، ولو كانت الحاجة فعلية لهذه الفئة من العمالة، أو كان بقاء بعضها في البلاد مشروعاً، لهان الأمر كثيراً!
***
- أجدني وسواي ممن يهمهم أمر هذا الوطن الغالي نكرّر طرحَ هذا الموضوع لأهميته، من جهة، ولاستمرارِ العبءِ الإنساني والاجتماعي والمالي الذي ترتَّب علينا حكومةً وشعباً !
***
- من جانب آخر، تتقاسم المعضلة التي بين أيدينا عدة وجوه أهمُّها ما يلي:
(أ) ظاهرة (التخلّف) بمفهوميْه الزماني والمكاني يمثله ما يعقب المواسم الدينية تحديداً حين (يقرر) مئات ومئات من الحجاج والمعتمرين البقاء في بلادنا، (تستضيفُهم) سفوح الجبال أو بطون الأودية أو المساجد أو الحواري الضيقة في المدن والقرى أو المرافق السكنية العشوائية والمهجورة، وقد يكون المواطن طرفاً مباشراً أو غير مباشر فيها تستُّراً، وتلك وربّي محنة كبرى!
***
(ب) ظاهرة (التخلّف) بمفهومه الأخلاقي حين تسُتقدم تلك العمالة إلى البلاد بمؤهلات وكفالات عشوائية، ثم يُطَلُق لها العنانُ تسابق الريحَ عبر شوارع وحواري المدن والقرى، طلباً للرزق، وقد تجُبْى من أفرادها (إتاوات) شهرية أو سنوية من لدن كفلائهم، بغض النظر عن (آلية) كسب الرزق ومصدره، وتلك لعَمري محنة أخرى!
***
« والمتأمل لشرائح هذه الفئة من (العمالة الوافدة) يستنتج من غير عُسْر أن معظم أفرادها غير مؤهلين تأهيلاً تفتقر إليه البلاد، ورغم ذلك يزداد عددهم خاصة في أعقاب كل موسم حج أو عمرة .. مشكلّين بذلك عبئاً وتحدّياً شاقّين لكل الجهات المعنية بهم، أمنية وغير أمنية!
***
« هنا..يتساءل المرءُ بمرارة:
من المسئول عن محنة تراكم العمالة السائبة، المقيم منها أقامةً مشروعة والمتخلف؟أهو العامل نفسه؟أم الجهات الرسمية وشبه الرسمية المعنية بمتابعته؟ والرد على ذلك لا يستثني أحداً من التبعة، لكن للقضية طرفاً ثالثاً يستوي مع الأطراف الأخرى إن لم يفُقْها أهمّيةً، ذلكم هو المواطن، حين يوظف ذمته وولاءه لبلاده فيستقدم من العمالة ما لا يحتاج، ويسعى إلى ابتزازها مادياً أو يتستر على وافد مُنح فرصة القدوم إلى البلاد لأداء شعيرة دينية ولا شيء سواها!
***
« إذن، فالمواطن شريك أساسي فـي استشراء هذه الظاهرة، ولن يعفيه من الوزر ادعاءُ الجهل بالأنظمة، لأن إيواء وافد لا يملك مسوغ الإقامة المشروعة أمر لا يتطلب دهاءً ولا علماً ولا خبرةً، والإحساس بضرر هذا الإجراء أمر يدخل ضمن بديهيات المواطنة الحسنة، والانتماء السوي إلى الوطن، ويستوي في ذلك وزراً استقدامُ عمالة بقصد ابتزازها مادياً!
***
« إن العقوبات التي سنتها الدولة ـ أيدها الله ـ لاحتواء ظاهرة العمالة السائبة لم تَدعْ أحدا إلاّ شملته، بدءاً بالمتستر أو الكفيل، وانتهاء بالوافد نفسه، لكن للمواطن دوراً مسانداً يجب أن يُعين الدولة، ولا يعين عليها، والردع وحده لا يفي بالغرض، رغم أهميته القصوى، ما لم يسنده وعيُ المواطن وتعاونُه، فلا يعين مسيئاً على سوئه !
***
«وبعد..أختم هذا الحديث بالخاطرة التالية:
«لا بد من شدَّ أزر وزارة العمل في حملاتها القائمة والقادمة للتعامل مع هذه الظاهرة وذلك من خلال توظيف كل المنابر الدينية والإعلامية والاجتماعية للتعريف بهذه الظاهرة ممارسةً وآثاراً، أملاً في إيقاظ حس المواطن وغيرته ووعيه، ثم تعاونه فـي مكافحتها، فهو حصن هذا الوطن بعد الله، وخيانة ذمته بمثل هذه الممارسات غير السوية، تستّراً على شخص أو أشخاص، مهما كانت الأسباب، أو ابتزازاً لكدّه، خطيئةٌ تنال من سمعة بلادنا في الداخل والخارج سواء!.