د. محمد عبدالله العوين
انطلقت أبواق المستأجرين والخونة تشيع فاحشة القول في الذين آمنوا، انطلقت تختلق الأكاذيب وتنسج القصص وتؤلف منها جبالاً وتزعم أنها «تجتهد» للوصول إلى الحقيقة، فتمسك بطرف من معلومة عن حدث سيتم، ثم تبني عليه أهراماً من الخيالات المريضة والأحقاد الدفينة.
قالوا: إن المملكة ستدخل في صراعات على السلطة، وها هو الملك سلمان يجدد الدولة وينقل السلطة - بعد عمر مديد إن شاء الله - من أبناء المؤسس إلى الأحفاد بطريقة شورية سلسة منسابة من خلال نظام الحكم وهيئة البيعة في إبداء الرأي، ليُؤخذ برأي الأغلبية في الأصلح الذي رشحه الملك، ووافقت على اختياره الكثرة الكاثرة.
وقالت الأبواق المغرضة إن الفترة الانتقالية بين ملك وملك ستدخل البلاد في الفوضى، ونقول لهم: إن تلك كانت أمانيكم الشريرة، وها هي السلطة انتقلت - كما رأى العالم كله - بكل التلقائية والسلاسة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز بعد وفاة المغفور له الملك عبد الله، ثم ها هي السلطة ستنتقل من أبناء المؤسس إلى الأحفاد باتفاق على مستوى القمة قلَّ أن يحدث في العالم حين يعيش أي بلد مرحلة سياسية فاصلة وعلى مستوى الشعب، كما رأينا عبر الشاشات تلك الحشود الحاشدة التي تدافعت يوم الأربعاء الماضي إلى قصر الحكم بالرياض، لتعلن مبايعتها وتقدم الولاء والطاعة والدعاء بالتوفيق والعون والتسديد لولي العهد الأمير محمد بن نايف، ولولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فلم يدفع تلك الحشود التي تزاحمت وملأت الساحات الواسعة المحيطة بالقصر وصالات الاستقبال والممرات، إلا دافع المحبة والولاء والاعتراف بفضل العائلة المالكة الكريمة وتاريخها المجيد، وما تميزت به قيادتها لهذا الوطن على مدى 280 عاماً من قوة وحكمة وشجاعة وعدل وعمق بصيرة ودهاء في التعامل مع العواصف والمتغيرات والأحداث الصغرى والكبرى، بحيث سارت سفينة بلادنا وسط الأمواج العاتية خلال ما يقرب من ثلاثة قرون - رغم مكايد الأعداء - إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من استقرار وأمن وقوة ونهضة وتقدم، بحيث أصبحت مضرب المثل في نجاح تجربة الوحدة السياسية على مستوى العالم، وفي تجربة النهضة المتدرجة التي تراعي حساسية ألا يحدث صدام عنيف بين الأجيال والتقاليد الاجتماعية المتوارثة، ولإضاءة هذه النقطة المهمة في سياق هذه الحديث عن تجربة النهضة السعودية لا بد من التأكيد على أن صدمة الأجيال بسب عنف الانتقال من عصر إلى عصر ليست قضية سعودية أو عربية فحسب، بل عالمية، وبقراءة لتطور حالات انتقال المجتمعات في أوروبا أو أمريكا أو الصين أو اليابان - مثلاً - نجد أن الصدام الذهني والفكري بين الأجيال حدث، وربما ما زالت بعض حالاته موجودة في ذهنية الآباء في تلك المجتمعات، ولكن بصور مختلفة، وبمستويات أقل حدة مما نشهده نحن السعوديين أو العرب في مجتمعاتنا، وعلينا أن نراعي هنا أيضاً الفوارق بين المجتمعات العربية حسب موقعها الجغرافي وتجربتها المبكرة أو المتأخرة في النهضة.
تنطلق الأبواق المستأجرة والمنتحلة والمدسوسة عبر «تويتر» وتنطلق فضائيات مدفوعة الثمن مسبقاً، لتتقوّل وتزيد وتعيد وقافلة الوطن تسير بكل الثقة والتفوق وقوة العزم، غير آبهة بنباح النابحين الذين ربما ملّ بعضهم النباح بعد أن تآكلت حباله الصوتية، ولكنه سار في طريق لا يسمح له بالعودة التي يتمناها، فليس أمامه إلا أن يلهث فيه حتى ولو كان يعاني من شلل أو عرج أو كساح إلى أن يسقط في أية لحظة قبل أن يصل إلى عُشر ما يطمح إليه إعياء أو إغماء أو سكتة قلبية قاضية!
تتطاير تغريدات السوء وتتحايل تحليلات الفضائيات «الفارسية» لإلباس الأكاذيب رداء مهلهلاً يمكن أن يستر عوار النوايا السيئة المبيتة، ولكن أبناء المملكة من نخب سياسية وشرعية وفكرية واجتماعية واقتصادية ترسم الصورة الحقيقية من خلال اتحاد الكلمة وتراص الصفوف الاجتماعية، والمشهدُ التلفزيونيُ المتفجر بالمحبة والولاء صاعقُ لكل كذاب أفّاق مهين!
تتجدد الدولة وتتدفق في شرايينها دماء الشباب الفوارة، لتزيد المملكة قوة ومنعة وحضوراً وتأثيراً، وتدفع بها إلى الصفوف الأولى في النهضة والتقدم على مستوى العالم - إن شاء الله - بهمّة وطموح الشباب وحكمة وتجربة الشيوخ.