د. أحمد الفراج
هناك فئة من البشر، وخصوصا المؤدلجون منهم، يتمتعون بحس ساذج، وقراءة خاطئة للأحداث، ولا يدركون طبيعة العلاقة «الخاصة» التي تربط بين ملوك الدولة السعودية، وأولياء عهودها، والتي تختزلها أشياء لا حصر لها، أهمهما تلك المشاهد التي لا تنسى، مثل مشهد الملك عبدالله، وهو يودع أخاه الملك فهد، يرحمهما الله، في مقبرة العود، ومشهد الملك سلمان، وهو يركب بجانب سائق سيارة الإسعاف، التي حملت الجسد الطاهر للملك عبدالله، ومشاهد الملك عبدالله اليومية، وهو يزور أخاه ولي العهد، الأمير سلطان، يرحمهما الله، وذلك أثناء مرض الأخير، وإقامته في المستشفى، ومن يمكن أن ينسى عندما أصر الملك عبدالله على إعطاء الدواء بيده لأخيه سلطان، خلال تلك الأيام، وهذا ليس كل شئ، فهناك ما كنت شاهداً عليه بحكم عملي في السكرتارية الخاصة لسمو ولي العهد، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يرحمه الله.
كان الأمير سلطان يحضر إلى الديوان الملكي، قبل وصول الملك عبدالله، وعندما يصل موكب الملك، يصر الأمير سلطان على استقباله عند مدخل الديوان، ويودعه عند المغادرة، وذلك رغم بعد المسافة بين مكتب ولي العهد، ومدخل الديوان، وذات مرة كان الأمير سلطان في لقاء رسمي مع ضيف أمريكي كبير، وكنت المترجم في ذلك اللقاء، وأثناء اللقاء أبلغ رئيس المراسم سمو ولي العهد بقدوم موكب الملك عبدالله، فطلب مني سمو ولي العهد إبلاغ الضيف بضرورة قطع اللقاء، ليتمكن من استقبال الملك عند باب الديوان، وهو الأمر الذي تم، وعاد بعدها سموه ليكمل اللقاء، وكان هذا الموقف مثار حديث الضيف الأمريكي، ومرافقيه، فقد كان صعبا عليهم أن يدركوا حجم العلاقة التي تربط بين أعضاء الأسرة الحاكمة، ومدى التقدير الذي يكنه الأصغر لمن يكبره سنا، مهما كان فارق العمر ضئيلا، وقد استمر الأمر على هذا المنوال حتى رحيل الأمير سلطان، رغم كل المحاولات التي بذلها الملك عبدالله لثني أخيه سلطان عن الإثقال على نفسه، باستقباله وتوديعه عند مدخل الديوان الملكي كل مرة.
علاقة الملك الراحل عبدالله، يرحمه الله، بأخيه الملك سلمان كانت تسير في ذات الإطار، وكان الملك سلمان جزءا رئيسيا من كل السياسات الداخلية والخارجية، وسياسة المملكة تسير على خطى ثابتة، واستراتيجيات يكمل فيها الملك الجديد ما بدأه أسلافه، وهذا أحد أهم أسباب استقرار المملكة على مدى سنوات تاريخها، ولكن الانتهازيين، الذين لا يملكون رأيا أو رؤية، خصوصا منهم من كنا نظنه مثقفا واسع الاطلاع!!، يلعبون على وتر المزايدات الرخيصة، وكمثال على ذلك فإنهم عندما يتحدثون عن عاصفة الحزم الحالية، والتي يقودها الملك سلمان بكل اقتدار، يتناسون أن هذه هي سياسة المملكة، أي الحزم بعد استنفاد كل الطرق الدبلوماسية، وهذا ما فعله الملك فيصل، عندما قطع النفط عن العالم الغربي، وفعله الملك عبدالله، بمساندة ولي عهده، الأمير نايف، وذلك عندما تدخلت المملكة بكل قوة في البحرين، مع بداية الثورات «الأبوما-اخوانية»، قبل عدة سنوات، وذات الشئ حصل، عندما استجابت المملكة، بقيادة الملك عبدالله، وولي عهده الملك سلمان، لثورة الشعب المصري على تنظيم الإخوان، ووقفت موقفا «حازما» كان له الدور الرئيس في حفظ أمن مصر، وحرف المواقف الدولية المتذبذبة إلى المسار الصحيح، فالمواقف الحازمة، عند الضرورة، هي ديدن قادة هذه البلاد في كل عصر، منذ أيام المؤسس، يرحمه الله، وربما يتوجب على «الانتهازيين» أن يتعلموا عن حجم العلاقة «الخاصة» التي تربط بين ملوك هذه البلاد، ومدى محبتهم وتقديرهم لبعضهم البعض، ويبحثوا عن ملعب آخر، ليبثوا من خلاله سمومهم، فهذا ليس ملعبهم، فهل تسمعون يا مثيري الفتن؟!!.