د. محمد عبدالله العوين
نعم للحرب ذلك الوجه المشرق؛ على الرغم من آلامها وعذاباتها ودمائها وأرواحها وركامها وشتاتها وجوعها ورعبها وجراحاتها التي لا تندمل!
لن يقدم صاحب القرار المسئول على إعلان حرب إلا مضطرا ومدفوعا دفعا إلى على كره منه إلى اتخاذ ما لم يكن راغبا فيه ولا محبا له؛ لكنها اللحظة الصعبة الفاصلة التي تفرق بين الحق والباطل، والموت والحياة، والفناء والبقاء، والإحجام والإقدام، والذلة والعزة، والهزيمة والنصر!
تعصف اللحظة الصعبة الفاصلة تلك بصاحب القرار وتدخله في دوامة لحظات عابرات تساوي زمنا ممتدا ليس له حدود ولا قيود : أيقدم أم يحجم؟ أيطلق شارة البدء أم يتريث؟ أيبذل مزيدا من الحوار والمناشدة أم أن الفرصة المتاحة لذلك قد استنفدت وولت؟ أيدع صورة توغل العدو العميل في اليمن تتضح لمن يتأمل المشهد ويقرأ تفاصيله ليستوعب مسوغات قرار الحرب إن اتخذه ويقف معه وليس في صف العدو أم أن منح مزيد من الوقت سيمكن العدو من التوغل في المدن والقرى والمنشآت ومفاصل القوة في اليمن؟!
وربما تتبادر أيضا إلى صاحب القرار إن أعلن ساعة الصفر ما يمكن أن تسببه الحرب من إزهاق أرواح ودمار؛ ولكن الصورة الأخرى المقابلة التي تصل إليها نهاية الحرب تبعث على الاطمئنان والرضا بنتائج ما ستحققه من إيجابيات وخيرات آنية ومستقبلية تمحو أشرارها وسيئاتها؛ كعودة الحق إلى أصحابه، وردع المعتدي، واستعادة الأمن، ورجوع الناس إلى مصالحهم وأرزاقهم، وتحقيق العدالة، وبسط سيادة الدولة، واستمرار الحياة بدون خوف ولا إرهاب ولا مصادرة حريات.
والحرب هنا وفق هذا المعيار كاستعادة الصحة بعد المرض والأمن بعد الخوف، والحرية بعد الاعتقال، والأرزاق بعد الشح، والاجتماع بعد الفرقة، وتدفق الحياة بعد انقطاعها؛ الحرب هنا أشبه بالعملية الجراحية الصعبة والخطيرة التي لا بد منها؛ فالطبيب الجراح المخلص لمهنته وإنسانيته حين يقف على حالة مريض مدنف لا يمكن برؤه بعد طول معالجات وبعد يأس من الشفاء بالدواء؛ يتخذ قراره الصعب الذي لا بد منه، والذي يعادل «الموت أو الحياة» فيستأصل الجزء المعطوب الذي نخره الداء من الجسد ويجري مبضعه الماهر بحكمة ودقة النطاسي الخبير في حدود ما وصل إليه الداء دون أن تمتد أدوات الجراحة إلى الأجزاء السليمة، ولو طالت أجزاء يسيرة ملاصقة للجزء المعطوب فهي من باب حماية الجزء السليم وإبعادا لعودة المرض من جديد، وبالجراحة وحدها - كما يرى الطبيب - قد يتم الشفاء إن أجريت في الوقت المناسب قبل فوات الأوان؛ كالحرب الضرورة إن تأخر « جراحها «عن اتخاذ الجراحة اللازمة في الوقت الذي لا بد منه فقد تكلف الكثير وربما تخفق أو توفق.
والحمد لله الذي وفق قائدنا الملك المظفر جراح هذه الحرب ونطاسيها الماهر الحكيم الحازم الملك سلمان بن عبد العزيز؛ فقد بذلت الأدوية وأعطيت العلاجات المناسبة للجسد اليمني على مدى عقود من الزمن؛ ولكنه لم يشف، ثم تعمق الداء وأوشك على الانتشار؛ فكان لا بد من اتخاذ قرار الجراحة المؤلم؛ لاستئصال الجزء المعطوب كي يسلم باقي الجسد، وعلى الرغم من آلام هذه الجراحة وما تسببه من متاعب وانعكاسات إلا أنها الحل الوحيد الذي يمكن الجسد اليمني بعدها أن يشفى ويبعد عن جيرانه خطر العدوى وانتقال الداء إلى من يحيط به من الدول.
إذا كان للحرب تلك الآلام المبرحة؛ فإن لها أيضا وجهها المشرق الجميل الباعث على «الأمل» الوجه الذي لا يرى إلا أن بعد أن يتم الشفاء وتعود العافية والأمن والاستقرار، ويستأنف الناس معايشهم، ويلتئم شملهم، ويندحر عدوهم، وترتفع معنوياتهم، ويخيب خائنهم، وينعم اليمن وجيرانه وعودة الحياة الطبيعية وتحبط أحلام الغزاة الفرس ويعودوا إلى قمهم مدحورين خائبين.
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.