د. عبدالواحد الحميد
يصعب فهم واستيعاب أن يرتكب شبابٌ من هذا الوطن أعمالاً تخريبية بحق أهلهم ووطنهم لأي سبب من الأسباب، فكيف إذا كانت الأسباب واهية وظلامية؟!
لقد صُدِم المجتمع السعودي حين تفاجأ بالعمل الإجرامي الذي أقدم عليه شابان من أبناء الوطن بإطلاق النار على دورية لرجال أمنٍ كانوا يمارسون وظيفتهم لحماية الأمن، ثم صُدم المجتمع مرة أخرى عندما تم الإعلان عن مخططات إجرامية إرهابية كان بعض الشباب ينوون القيام بها!
ويزداد هول مصيبتنا في شبابنا المتورط في هذه الأعمال الإجرامية عندما نعلم أنهم كانوا ينفذون تعليمات تصلهم من الخارج من تنظيم داعش الغارق في أوحال التخلف الفكري والممارسات الإجرامية البشعة!!
شيءٌ ما، مهول وكارثي وخاطئ يكمن خلف هذه الانحرافات الفكرية التي تدفع بشباب في عمر الزهور إلى اعتناق هذه التوجهات الظلامية المدمرة. ومن المحزن أن هذه القضية كانت ولا تزال محل اهتمام المفكرين والكتّاب والمسؤولين في بلادنا لكننا ما زلنا عاجزين عن وقف الكارثة!
ما الذي يجعل الشباب السعودي الذي يعيش في مجتمع يغبطه عليه ملايين البشر ويتمنون مجرد الحصول على تأشيرة عمل للقدوم إليه؛ ما الذي يدفع بهؤلاء الشباب إلى السفر إلى بلدان تشتعل فيها الحروب والفتن ثم يقومون بأعمال انتحارية ويفجرون أنفسهم في ممارسة مأساوية يتفق الفقهاء على أنها حرام وأن فاعلها مآله نار جهنم؟!
ليس صحيحاً أن الفقر أو البطالة أو الظروف الاقتصادية عموماً هي السبب الذي يكمن وراء اعتناق الشباب للفكر المنحرف والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، فنحن نعرف أن الكثير من الأسماء التي تظهر في القوائم الإرهابية أو التي يتم القبض عليها تنتسب إلى عائلات لا تعاني من أي ظروف اقتصادية سيئة!!
هناك جدلٌ كثير يتصاعد ويتكرر لتفسير هذه الظاهرة، وأعتقد أن التفسير الحقيقي يكمن خلف ترويج الأفكار المتشددة التي تتردد في بعض خطب الجمعة والفتاوى والكُتيّبات والمجالس والمدارس والتي تكاد تُحرِّم كل شيء في مجتمعنا وتشحن الأطفال والمراهقين والشباب بأفكار عدائية ضد هذا المجتمع الذي يتم تصويره على أنه غارق في المعاصي والكبائر، بل ويُتهم أحياناً - وبشكل تعميمي - بأنه كافر.
حتى البرامج الدينية التلفزيونية التي تظهر في قنواتنا السعودية لم تسلم في بعض الأحيان من ترديد مقولات وفتاوى أطلقها مجتهدون عاشوا في زمن سابق غير زمننا ولم تعد صالحة لزمننا الحاضر، فماذا نتوقّع من أطفال ومراهقين وشباب يسمعون هذه المقولات من التلفزيون أو يسمعونها أحياناً من المعلم في الصف المدرسي؟!
إن مجتمعنا يتعرض للخطر، ويجب أن نتحلّى بالشجاعة فنواجه الخطر بما يقتضيه من أدوات وفي مقدمتها أن نسمي الأشياء بأسمائها بكل وضوح وشفافية. علينا، بصراحة، أن نواجه الفكر المتشدد الذي ما زال يجد له مكاناً بيننا وإلا فلن نقضي على الخطر الذي يحدق بنا.