سلمان بن محمد العُمري
كلمتان ساميتان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - في مؤتمر الإسلام ومحاربة الإرهاب الذي استضافته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة الأسبوع الماضي، وحملت الكلمتان العديد من المضامين وإبرازاً للخصائص التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية كرائدة للعمل الإسلامي وموقعها الريادي عربياً وإسلامياً ودولياً، وإثباتاً لمنهجها القائم على الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف، والتأكيد على مكانتها فهي مهوى أفئدة المسلمين ومهد الرسالة ومنبع الخير للعالم، وهي رسالتها الدائمة في نشر الخير للعالم كافة، وهذا النهج الحميد هو ما قامت عليه هذه البلاد المباركة منذ تأسيسها وتعاقب ولاة أمرها وتأكيد ذلك في عهد المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وما سار عليه أبناؤه البررة حتى هذا العهد الزاهر.
كانت الكلمة الأولى في حفل افتتاح أعمال المؤتمر، وألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والتي اعتبرها المؤتمر وثيقة من وثائقه - على ضرورة تصدي العلماء والمثقفين لآفة الإرهاب، بكافة أنواعه وأشكاله وصوره، وأكد على مضي المملكة وعزمها على التصدي لمنهج الإرهاب وأتباعه، ودعم الجهود الدولية في القضاء عليه، وحملت من المعاني والمضامين الضافية التي اشتملت عليها هذه الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين للمجتمعين في المؤتمر، بل وللأمتين العربية والإسلامية وللمجتمع الدولي، وصدرت من قلب مخلص مؤمن بالحق ووضعت الجميع أمام مسئولياتهم الأخلاقية وواجبهم الشرعي للوقوف في وجه من يحاول اختطاف الإسلام ومن شوهوا صورة الإسلام السمحة وتعاليمه المنطلقة من أساس أنه رحمة للعالمين ومخالفة ما جاء في كتاب الله الكريم جل جلاله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومما جاء في كلمة الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -:
- إن المملكة العربية السعودية لم تدخر جهداً في مكافحة الإرهاب فكراً وممارسة بكل الحزم وعلى كل الأصعدة. وعلى الصعيد الداخلي تصدت الأجهزة الأمنية للإرهابيين بلا هوادة، ولم يتوان رجالها البواسل عن ملاحقتهم وتفكيك شبكاتهم وخلاياهم في مهدها، وبذلوا أرواحهم في سبيل ذلك، وكذلك تشارك قواتنا الجوية في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب.
- إن الإرهاب المتأسلم بالقتل والغصب والنهب وألوان شتى من العدوان الآثم أمر جلل يهدد أمتنا الإسلامية والعالم أجمع بعظيم الخطر، بعدما تجاوزت جرائمه حدود عالمنا الإسلامي متمترساً براية الإسلام زوراً وبهتاناً، والإسلام منه براء.
- إن الخطر عظيم من هؤلاء الإرهابيين الضالين المضلين، وقد أعطوا الفرصة للمغرضين المتربصين بالإسلام حتى في الدوائر التي شجعت هذا الإرهاب أو أغمضت عنه عينها، لكي يطعنوا في ديننا الكريم الحنيف، ويتهموا أتباعه الذين يربو عددهم عن المليار ونصف المليار مسلم بجرم هذا الفصيل السفيه الذي لا يمثّل الإسلام من قريب أو بعيد..
- إن الإرهابيين سوّغت جرائمهم المنكرة تجريد الحملات العدائية ضد الأمة ودينها وخيرة رجالها، وترويج صورة الإرهاب البشعة في أذهان الكثيرين من غير المسلمين، على أنها طابع الإسلام وأمته وتوظيفها لشحن الرأي العام العالمي بكراهية المسلمين كافة حتى كادت هذه العلاقات تهتز وتتراجع في إطار موجة من الضيق بالمسلمين والتحامل عليهم جراء هذه الجرائم الإرهابية.
- إن علماء المملكة بادروا بالرد الحاسم، على ما يبثه الإرهابيون من مسوغات دينية باطلة يخدعون بها الناس، وبيّنوا تحذير الإسلام من العنف والتطرف والغلو في الدين وتحزيب الأمة والخروج على ولاة أمرها.
- إن السعودية وضعت يدها في أيدي الأشقاء لمواجهة الظاهرة الإرهابية أمنياً وفكرياً وقانونياً، وكانت هي الداعية إلى إقامة مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يدرأ الفتن ويجمع الأمة بكامل أطيافها على كلمة سواء.
- إن المملكة العربية السعودية عملت على مكافحة الإرهاب مع المجتمع الدولي من خلال المؤتمرات والمحافل والهيئات الدولية، وكانت هي الداعية لإنشاء مركز الحوار بين أتباع الديانات والثقافات والمؤسسة والداعمة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بالتعاون مع الأمم المتحدة.
ثم جاءت الكلمة الثانية حين استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في قصر اليمامة، ضيوف المؤتمر العالمي (الإسلام ومحاربة الإرهاب) عقب اختتام أعماله في مكة المكرمة، وجاءت الكلمة تأييداً لما سبق في كلمته - حفظه الله - في افتتاح المؤتمر مع التأكيد على الرعاية الكريمة للحرمين الشريفين وأن المملكة العربية السعودية تعتبر مسؤوليتها الكبرى هي المحافظة على بيت الله ومهجر رسول الله والمحافظة على أمن الحجاج والمعتمرين والزوار، ومثاله الحي في هذا الوقت، وأن هذا من تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية والدولة التي نحن فيها، التي أنشأها الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، وبعده أبناؤه وآخرهم الملك عبد الله - رحمه الله - حريصون جداً على أمن البلاد المقدسة وعلى راحة الحجاج والزوار والمعتمرين.
وقال مخاطباً الضيوف: إن بلادكم المملكة العربية السعودية تنعم الحمد لله بالاطمئنان والأمن والرخاء نتيجة تطبيق كتاب الله وسنة رسوله، وأنتم كما تعلمون دستور المملكة كتاب الله وسنة رسوله، وقامت هذه الدولة على أساس القاعدة الإسلامية تعرفونها كلكم أولى وثانية وثالثة، محمد بن سعود في الدولة الأولى، وتركي بن عبدالله في الدولة الثانية، وعبدالعزيز بن عبدالرحمن في الدولة الثالثة، وأبناؤه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، وسُمينا الحمد لله بخادم الحرمين الشريفين أبناء الملك عبدالعزيز، وهذا عز لنا ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لخدمة ديننا وعقيدتنا السمحة وأن يبعد عنا التعصب والتشدد الذي يسيء للإسلام، الإسلام دين الوسط، كما تعرفون، وعلينا أن نتبع ما ورد في كتاب الله وما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، يسّروا ولا تنفروا، فيه ناس ينفّرون من الإسلام وهؤلاء يسيئون للإسلام، ونرجو من الله عز وجل أن يهديهم إلى رشدهم، ومؤتمر مثل مؤتمركم هذا، ففي الواقع، فيه فائدة - إن شاء الله - للمسلمين، وبلدكم المملكة العربية السعودية بلد الإسلام بلدكم في كل وقت وهي الحمد لله مع الإسلام المعتدل، الإسلام الذي يتبع كتاب الله وسنة رسوله وخلفائه الراشدين.
الكلمتان الساميتان لا تحتاجان إلى تعليق ولا تفسير فقد خرجتا من قلب نقي صافٍ محب لدينه ولأمته وبلاده ومشفق عليها وغيور ومحافظ على الأمانة والرسالة، وما خرج من القلب فسوف يستقر بالقلوب - بإذن الله -، وبعد فمن كريم فضل الله تعالى على المملكة العربية السعودية رعايتها للحرمين الشريفين اللذين هما مهبط الوحي ومنبع الرسالة، وقيام الدين وقوامه، وهما مصدر الإسلام وقبلته، وقد شرّف الله هذه الدولة المباركة بثقة العالم الإسلامي برسالتها الدينية واعتبارها الدولة الراعية له، والتي تذب عن حماه، الحاملة لمسماه، وفي قوتها قوة له، وعن طريقها انتشر الإسلام الصحيح في كثير من البلدان بطرقٍ شتى، ومع محاولة الكثير تشويه صورة هذه الدولة المباركة إلا أن الواقع يدفع كله فرية، وما يراه المسلمون من خدمة هذه البلاد للإسلام وأهله من خلال الإعلام ومن خلال حج بيت الله الحرام، وما يذلل لهم من مصاعب، وما يرونه من حسن الترحيب والرعاية والنصح والإرشاد، وما عليه أهل هذا البلد من الوسطية البعيدة عن الغلو والتفريط.
أدام الله على بلادنا نعمة الأمن والإيمان والرخاء والاطمئنان، ووفق ولاة أمرنا لما فيه خير البلاد والعباد.