أصل النبوغ في العلم أياً كان إنما بسبب فضل الله تعالى، ثم وجود الاستعداد لدى الإِنسان رجلاً كان أو امرأة، وللوراثة دورها في الاستعداد فيسيولوجياً إنما تكون في الولع في: العلم وفهم المراد منه والحرص عليه، وضرورة إضافات ملموسة عالية القيمة بحيث تقول: (سبحان من خلق هذا العلم).
ووجود الاستعداد يعطي الأهلية لهذا العالم في ميدانه الذي يقوم عليه، ويقوم به ما لم يقف في طريق عائق كوشاية أو استعداء.. أو تقبيح صورته بصفة ما أو إهمال متطلباته ولهذا شنع الذهبي على كثيرين ممن وقفوا في وجه: (البخاري.. ومسلم وإسماعيل بن عُليّة.. وسليمان بن مهران.. وأحمد بن محمد بن حنبل.. وابن تيمية.. وابن قيم الجوزية.. والعز بن عبد السلام.. وابن تغري بردي وكذا: أبو حنيفة النعمان.. وابن إسحاق).
وسواهم خلق كثر لكن الله - جل وعلا - إذا أراد شيئاً تم، فقد بقي البخاري ومن ذكرت وذهب من ناوأهم شذر مذر، ولعل كثيراً منهم تفرقوا (أيدي سبأ)، بل لعلهم كلهم كانوا في: (مهب الريح) ذهاباً لم يكد يعرفهم أحد. ذلك أن العقول تتلاقح بوافر من القبول إذا كان ما يرد إليها تقبله الفطرة ويقره العقل.
وهذا ما كان من أولئك من كبار العلماء البخاري ومن أسلفت، ومن ابن خلدون، وكذا: الحجة أبو بكر بن العربي وابن الأثير الجزري صاحب (الجامع)، ومثل هؤلاء الأجلاء الزيلعي صاحب (نصب الراية).
ولقد يكون.. ولا جرم.. في زمن واحد في بلد واحد (300 عالم) كلهم من العلم بمكان لكن لم يكد يذكر منهم إلا (عشرة فقط) فكيف يتم هذا..؟
كيف يكون..؟
ما السبب..؟
كلا.. ما العلة..؟
يجيب ابن حجر في (هدي الساري) عن هذا السؤال؟
كما يجيب عنه النواوي في شرحه: (مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج)، وكذا بيّن هذا الشاطبي في كتابه: (الموافقات) لكن هذا الكتاب يحتاج إلى صبر طويل في القراءة والتدبر وفهم حقائق:
1 - العلم وأسسه.
2 - العقل وطرقه وحقيقته.
3 - تصوير حقائق الأدلة.
4 - شروط العقل الحي.
5 - معارضة العقل بعضه لبعض.
6 - الفهم والاستنتاج لحقيقة النص.
7 - عوارض الأدلة وحقيقتها.
8 - ضابط العقل وأصله.
9 - حقيقة ضوابط الأدلة.
10 - نشوء الاختلاف.. والخلاف.
11 - القدرات.. والاجتهاد.
هذا ما فهمته من كتاب: (الموافقات) بعد نظر في مرماه ومبتغاه واتجاهه ومنحاه، وهو مع تفسير سورتي (الأنفال) و(براءة) عند أبي بكر بن العربي في: (أحكام القرآن) أو عند ابن كثير الدمشقي ينقلان القارئ المتمكن المتمرس المائل إلى النزعة الجريئة الحرة ومن يميل إلى العمق واكتشاف حقيقة العقل وسبق الفهم وفقه الواقع.
ينقلانه جزماً إلى منهج حي دائم إلى جو من (فقه الحياة - وفقه العقل) ودراية وقائع الأمور التي لا يستغني عنها عالم ولغوي وباحث وكاتب ومثقف بل: شاعر وأديب.
أما القاضي المتجدد.. أما المفتي الرزين أما المحقق الرصين فحسبك أن ذلك له كمن ارتوى في صيف صائف وفي جو حار يوشك صاحبه أن يؤخذ دون شرب الماء لشدة عجزه عنه، لكنه قد تمكن إِذْ ما ذاك على الله تعالى بعزيز.
ولعل غالب من قرأت لهم اليوم واقرأ أو يعرض علي ما يكتبونه لعل غالبه يميل إلى الطرح العجول ومعالجة العرض قبل المرض، ولاسيما من ينهج أسلوب الهجوم الإنشائي من الكتاب، ولهذا فلا تجد من يرد عليهم لأن مثل حالهم ينفسون عن أنفسهم فيما يطرحون وينحالون أنهم على نهج سليم في مثل هذا السبيل.
ولهذا هم فقراء إلى الكم ولو كان قليلاً، إلى مثل: (الموافقات).. (وبراءة).. و(الأنفال) ولعلهم ينظرون إلي: (وحي القلم) و(فقه اللغة) للثعالبي (لا لويس عوض) فقد زل زللاً كبيراً حتى قال أحد اللغويين عن كتابه هذا: (فقه اللغة) دمر اللغة وهو يعلم ولا أدري كيف فعل..؟
وكل هذا أسطره تبياناً لحقيقة يحسن أن نبدأ منها من جديد. والخطوة الأولى حقاً تؤدي إلى ذلك المنشود الذي ننشده جميعاً حيال إعمال العقل للوصول إلى الأهلية الحقة للعمل على بناء العقل على التجديد وصيرورته صوب فك انغلاقه، ليكون هذا العقل فاعلاً زاخراً بالعطاء والتسامح والحب والتقدير تلك التي كانت شرطاً للانعتاق من التقليد والسكون بالخوف والتردد حيال حرية العقل وبذل الجهد نحو: النزاهة والأمانة وتمام العطاء المتجرد من ذات المصلحة الذاتية أو نشدان الاستحسان من هذا المنطلق، فإني أدون بعض الآثار التي تكلم العلماء بمنطق علمي بحيث يوافقه العقل السليم الخالي من شوائب الريب، ولا سيما ومن تكلم عن هذه الآثار كبار العلماء قضوا ما بين (20 إلى 30 إلى 40 و50 سنة) ينظرون ويرحلون ويبحثون ويتذاكرون حولها خلافاً لتحكيم منطق العقل المجرد، لأنه لولا هذه الجهود الجبارة لما كان ما كان، ولولا السند كذلك لقال كل: برأيه وهواه واجتهاده من تلك الآثار التي سرت حتى بين بعض العلماء اليوم وبعض كتاب الصحف.
من تلك الآثار ما يلي:
1 - (الأقربون أولى بالمعروف)
ليس بحديث أصلاً.
2 - (النظافة من الإيمان)
ليس بحديث.
3 - (خير الأسماء ما عُبِّد أو حُمِّد)
أثر لم يصح.
4 - (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)
لم يصح
5 - (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له).
لم يصح
من هذا المنطلق فإنني سوف أذكر بعض المصنفات المهمة ذات العلاقة الضرورية لما تتضمنه من آثار لا بُدَّ لكثير من الكتاب والمثقفين الذين يلقون الدروس العلمية في الجوامع والندوات العلمية من الاطلاع عليها لتثبيت.. الآثار.. التي يذكرونها أمام طلاب العلم ومن يقرأ المقالات ومن يكتبه كثير من الباحثين.. ولا ضير أبداً لا ضير من السؤال عن الأثر المراد طرحه سؤال العلماء الحفظة للمتون والأسانيد ومعرفة حقيقة (الجرح والتعديل) ليس اليوم لأن (الجرح والتعديل) انقطع منذ القرن الثالث للهجرة، أما اليوم وما يحصل بين بعض الناس خاصة بعض الدعاة وهذا نقل إلي كثيراً فليس إلا (غيبة وبهتان) ولا علاقة له بجرح أو تعديل أبداً، فليتق الله تعالى الجميع فإنَّ الغيبة والنميمة من كبائر الذنوب. أخلص الآن إلى ذكر بعض من هذه الكتب:
أ - كشف الخفاء والإلباس - لملا القارئ.
ب - المنار المنيف - لابن قيم الجوزية.
ج - الموضوعات - لابن الجوزي.
د - الموضوعات - للشوكاني.
هـ - الرفع والتكميل - الكنوي.
و - العلل - لابن أبي حاتم.
ز - تخريجات (إحياء علوم الدين) للحافظ العراقي.
ح - تحفة الأحوذي - المبارك فوري.
ط - زوائد ابن ماجة - البويصري.
وبعد هذا فقد عاينت من ضعف حديث معاوية ابن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه (وقِهِ العذاب) دعا له النبي - صلى الله عليه وسلَّم - .
وكذا طالعت من صحح حديث: (أحلت لنا ميتتان) وهو ضعيف.
وكذا حديث: (الشفعة كحل عقال) وفيه ضعف. وما يتردد على ألسنة العامة وبعض المتعلمين:
(السارق من السارق كالوارث من أبيه).
وهو باطل لا يصح بوجه من الوجه، والوضع فيه ظاهر.
وهنا أبين أن د. أحمد أمين رحمه الله تعالى له كتاب تحت عنوان (فجر الإسلام) وكذا: (ضحى الإسلام) فيهما قرابة: 113 حديثاً لم تصح فيما عالج - رحمه الله تعالى - حقيقة دراسة المتون والأسانيد وقد يعذر لجهله بحقيقة الضوابط العلمية الدقيقة التي لعله لم يطلع عليها مع توافرها لدى (مكتبة القاهرة)، ولا يحسن هنا إخضاع الحالات المادية الواضحة جداً للعقل مهما بلغ هذا العقل من الفهم، وهذا أمر معلوم وبيّن ولم يترك الأول للآخر شيئاً.
ولهذا زلت (المعتزلة) القدرية والمؤولة كلاهما زل زللاً بيناً كما هو مدون في آرائهم ومذهبهم من تقديم العقل على النص، وجرهم هذا كثيراً إلى رد أحاديث الآحاد مع أنهم يعملون بمقتضاها، لأن غالب الآحاد الواردة بأسانيد صحيحة قد وردت بسياسة العبادة والمعاملة، سياسة ما يقومون به في الصلاة والزكاة والحج والصيام وما سوى ذلك من سياسة الحكم والأمر والنهي والقضاء والإدارة إلخ.
والعقل إذا تم فتح المجال أمامه فيما لا يقدر عليه زل، ولهذا رسم القرآن هذه الحقيقة بما قال تعالى: (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (39) سورة يونس.
وقد يجنح العقل إلى السخرية والتندر بما لم يقدر على فهمه، وقد يدعي الفهم بجرأة وجسارة وتندر كما حصل عند المعتزلة والخوارج والمرجئة والقدرية. من أجل ذلك فإنَّ الكتب التي ذكرتها آنفاً ضرورية لأهل هذا الجيل بالذات ممن ينشدون الحق وبه يعدلون.
ولا ضير أن يجعل العالم والداعية والكاتب والباحث الصحفي كل واحد منهم ركناً خاصاً لهذه الكتب فيعود إلأيها عند الاقتضاء مضيفاً إليها ما يلي:
أ - أصول السرخسي.
ب - إعلام الموقعين.
ج - الحاشية - لابن عابدين.
د - السياسة الشرعية - لابن تيمية.
وهذا قمن حداً بفواتح فنواتج ضرورة ما لا بُدَّ منه.
- الرياض