هذا عنوان جريء لرسالة الماجستير التي قدمتها لقسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود الأستاذة النابهة أسماء بنت إبراهيم الجوير، ووصفت هذا العنوان بالجرأة لما وقر في الأذهان من أحكام الفاعل التي منها أنه لا يحذف أي لا يغيب، ولعل غياب الفاعل في شكل من أشكاله تعبير يوافق ما ذكره النحويون من أحوال الفعل، وهو الفعل الذي لم يسم فاعله، أي لم يذكر لفظه؛ لأنه قد ناب عنه غيره، وهذا بعض ما أرادته الباحثة بإشراف من أستاذتها القديرة أ.د. مها الميمان التي اهتمت بدرس صحيح البخاري فوجهت بعض من تشرف عليهن إلى درس نصوصه، وهذه الرسالة جاءت في هذا الإطار فهي «دراسة تركيبية دلالية في أبواب من صحيح البخاري». ومن الأمور التي قد تستوقف القارئ لهذا العنوان لفظ (الحقيقي)، فهو نعت قد يكون للمضاف (غياب حقيقي)، وقد يكون للمضاف إليه (فاعل حقيقي)، وليس يرفع أحد الاحتمالين سوى ضبط النعت (غيابُ الفاعلِ الحقيقيِّ) إن كان الاحتمال الآخر هو المراد، وقد يستوقف القارئ المراد بالحقيقيّ، أهو المضاد للمجازيّ أم هو الوهميّ؟ ويحسم هذا الفصل الرابع عن الإسناد المجازيّ الذي يدل على غياب الفاعل الحقيقي.
جاءت الرسالة في أربعة فصول، أما الفصل الأول فهو مهاد نظري عالجت فيه الباحثة جملة من المصطلحات المتعلقة بميدان البحث، وجاء الفصل الثاني (الفاعل في أساليب نحوية) وهو عنوان فيه عموم وضعف صلة بالغياب، ولكن العنوانات الجانبية تجبر هذا الخلل، فنجد منها (المسند إلى الفعل المبني لغير فاعله)، ولعل الصواب المسند إليه الفعل المبني لغير فاعله، وهو نائب الفاعل الذي يسند إليه الفعل بعد حذف الفاعل وصياغة الفعل صياغة صرفية ملائمة للمسند إليه، وعالجت من أنواع هذا المسند إليه المفعول به، والظرف، وعالجت في هذا الفصل أيضًا فاعل أفعال المدح والذم والتعجب، وهي تراكيب فيها عدول عن نمط تركيب الجملة الخبرية المعتادة، إذ قد لا يظهر لفظ فاعلها. وجعلت الفصل الثالث لطائفة من الأفعال اقتضت بنيتها الصرفية أن تعبر عن فاعل له مشاركة في الفعل وإن لم يسم لفظه؛ لأن التركيب لا يتيح ذلك، كأفعال المطاوعة والانعكاسية؛ فالفعل في (انكسر الزجاجُ) له فاعل حقيقي لا يرد في هذا التركيب؛ ولكنه قد يظهر في (كسر الطفل الزجاج)، ولذا نجد بعض المحدثين مثل مازن الوعر يعده من قبيل المبني للمجهول مثل (كُسِر الزجاج). ومن هذه الأفعال ما دل على مشاركة أو تبادل، فالفاعل في (قاتل الجند العدوَ) الجند والعدو معًا؛ ولكن غيبت فاعلية العدو كما غيبت مفعولية الجند، وأما الفصل الرابع فهو عن الفاعل في الإسناد المجازي، فالفعل في هذا أسند إلى فاعل ليس من طبيعته الفعل، فهو فاعل في اللفظ، كما في (اشتدّ به وجعه)، فالوجع ليس من طبيعته أن ينجز فعلًا، وما إسناد الفعل إليه إلا تصور إنساني عبر عنه بالفعل اللفظي، فما إن من فاعل حقيقي في هذه الجملة.
أما الباحثة فشخصيتها واضحة كل الوضوح في عرض القضايا ومناقشتها والخلوص إلى نتائج وتوصيات مهمة، لم تنكفئ على كتب التراث وحدها بل أفادت منها ومن كتب المحدثين، وهي أيضًا لم تقتصر على الكتب وحدها بل أفادت من البحوث المتفرقة في الدوريات والمجلات، وهو أمر يحمد لها، فقد تعودنا من كثير من طلابنا الاقتصار على الكتب فيفوتهم من الجهود والآراء ما يمكن أن يكون له تأثير في توجيه أفكارهم وما يختصر كثيرًا من العمل، ولغة الباحثة واضحة متماسكة متصفة بسلامة لغوية عالية.
- الرياض