أصبح تعلّم اللغة العربية في دول أجنبية مختلفة وسيلة من وسائل التعرف على ثقافة الآخر (العربي/المسلم). ونجد اليوم كثيرا من الجامعات العالمية العريقة تخصص أقساما لدراسة اللغة العربية وآدابها، كما أنّ عدد الطلاب الذين يدرسون فيها يزداد عاما بعد عام. واللافت للنظر أن الإقبال الشديد على تعلّم اللغة العربية من غير الناطقين بها يشكل شغفا مفاجئا للتعرف ربما على الثقافة العربية والإسلامية من ناحية، وللحصول على وظائف جيدة في المجالين السياسي والاقتصادي سواء كان ذلك في أوطانهم، أو في الدول العربية عامة وفي دول الخليج العربي خاصة. ولعلّ هذا الإقبال يخفي وراءه أيضا أسبابا سياسية واقتصادية مختلفة نعلمها جميعا ولا مجال للحديث عنها في هذه الأسطر، حيث سنطرح هنا أسئلة حول جدوى تعليم اللغة العربية في هذه الأقسام في ظل غياب التركيز على المهارات الأساسية التي تضمن للطالب القدرة على التواصل مع الآخر بصورة مرضية تكشف عن مستوى إتقانه للغة تحقيقا للهدف من التعلّم.
هذا الاهتمام الملحوظ بدراسة وتعليم اللغة العربية في الدول الغربية يأتي في إطار اهتمامها بتشجيع مواطنيها على تعلّم اللغات المعاصرة في ظل اكتفائهم باللغة العالمية (الإنجليزية). هذه التوسّع في تعليم لغتنا العربية يثير مشاعر البهجة والفخر لكل عربي، ولكن تلك الأقسام والمعاهد المخصصة لتدريس العربية تواجه كثيرا من المعوقات، بعضها يعود إلى المدرسين وطرائق تدريسهم لهذه اللغة في بلد غير ناطق بها، وبعضها الآخر يتعلق بطبيعة المنهج المعتمد في هذه الأقسام، ناهيك عن صعوبة النطق غير المألوف للحروف العربية عند الغربيين، واختلاف وضعية الكتابة من اليمين إلى اليسار.
كلنا يعلم أن معظم الجامعات الغربية خصصت أقساما تعنى بتدريس اللغات الحديثة والثقافات ومن بينها أقسام اللغة العربية المنتشرة في كثير من الجامعات الأوروبية والأمريكية مما يصعب معه الإحاطة بها في هذه الأسطر؛ ولذا سنذكر مثالا لبعض هذه الأقسام الأكاديمية في بعض الجامعات البريطانية المهتمة بتدريس اللغة العربية وآدابها. من خلال التواصل المباشر مع بعض الدارسين في هذه الأقسام سنعرض بعض التصورات والمشكلات التي تحدد طبيعة البرامج التعليمية و أساليب تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها.
بعض هذه الأقسام تعتمد طريقة النحو والترجمة (Grammar-Translation Method) لتدريس اللغة العربية، وهي طريقة قديمة من طرق تدريس اللغات الأجنبية لغير الناطقين بها. وتركز هذه الطريقة على ترجمة الجمل من خلال تعلم القواعد النحوية وتطبيقها أثناء الترجمة من وإلى اللغة الهدف، وهذا يجعلها تعتمد بشكل مباشر على استظهار القواعد النحوية وتعليمها بأسلوب استقرائي ليتم تطبيقها بعد ذلك من خلال ترجمة بعض النصوص. ومن عيوب هذه الطريقة أنها تركز اهتمامها على مهارتي القراءة والكتابة على حساب مهارتي الاستماع والمحادثة اللتين ينبغي الاهتمام بهما لاكتساب القدرة على الفهم والتواصل باللغة العربية بصورة مرضية تحقق الهدف من التعليم. كما أنّ كثيرا من الأساتذة في هذه الأقسام يعتمد في كثير من الأحيان على استخدام اللغة الأم للدارسين كوسيلة للشرح والمقارنة بين اللغتين مما يفقد الطلاب القدرة على اكتساب مهارات لغوية جديدة تمكنه من إتقان اللغة العربية تحدثا وكتابة. وهذا الأسلوب يثير تساؤلا مهما حول جدوى تدريس هذه الأقسام للعربية بلغة أجنبية، أي أنّ الطالب سيحمل -حال تخرجه من القسم بعد بضع سنوات- مؤهلا جامعيا في تخصص اللغة العربية وهو غير متقن للتواصل بها دون الاعتماد على الخلط بين العربية والإنجليزية أو غيرها من اللغات الأجنبية. وقد تم طرح هذا السؤال على بعض المتخصصين من الأساتذة العرب وغير العرب في هذه الأقسام عن جدوى المزج بين اللغتين في تدريس هذه المواد، و جاء الرد مفاجئا مبررا ذلك بأن الطلاب لا يتقنون العربية في السنة الأولى في ظل غياب اشتراط حصول الطالب على مستوى معين في اللغة العربية كشرط للقبول في هذا القسم. وإذا قبلنا هذا التبرير فكيف نبرر ضعف المهارات اللغوية للطلاب في مستوى متقدم قبل التخرج حيث يصعب عليهم التواصل بالعربية أو فهم بعض المحاضرات دون لجوء المحاضر إلى الاستعانة باللغة الإنجليزية للتوضيح والشرح.
ويبقى السؤال قائما: كيف تدرس اللغة العربية بلغة أجنبية؟ وكيف يحمل الدارسين مؤهلا متخصصا فيها وهم غير متقنين لكثير من مهاراتها؟ و أيضا لماذا تحول الغرض من تدريسها إلى تكريس فكرة الترجمة أكثر من التركيز على اكتساب جميع مهاراتها؟ هذه الأسئلة تؤكد الحاجة إلى دراسة موسعة لهذه الأقسام وأساليب التدريس فيها للمساهمة في نشر اللغة العربية و الحفاظ على مستقبلها من دخول ألفاظ أعجمية إليها في ظل توجه أبنائها إلى استخدام اللغة الأجنبية والرقمية للتعبير والكتابة أثناء تواصلهم مباشرة أو في رسائلهم الهاتفية والإلكترونية.
- بريطانيا