الثقافية - علي القحطاني:
في إطار رؤية المملكة 2030، تسعى وزارة الثقافة منذ إنشائها بقيادة الوزير النشط الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، إلى تعزيز الهوية والتراث الوطني عبر استراتيجيات فعالة ومبادرات ثقافية مبتكرة. وقد شهدت المملكة نموًا غير مسبوق في القطاع الثقافي منذ إنشاء الوزارة، حيث أصبحت الثقافة جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية.
ومن أبرز الهيئات التي تشرف عليها الوزارة هي «هيئة المكتبات». وأوضح د. عبد الرحمن العاصم، الرئيس التنفيذي لهيئة المكتبات، في حديثه لـ «الثقافية» أن الوزارة تسعى لتعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي من خلال شمولية مشاريعها الثقافية، وتوسيع مفهوم الثقافة ليشمل مجالات متنوعة مثل فنون العمارة، والتراث، وفنون الطهي، والموسيقى، والأفلام، مما يعكس تكامل الجهود الثقافية. وقد استهل د. العاصم اللقاء بالحديث عن المشهد الثقافي السعودي ومساهمة هيئة المكتبات في تحقيق مستهدفات القطاع الثقافي في المملكة، مشيرًا إلى أن تاريخ المكتبات في السعودية يمتد لأكثر من 300 عام، بدءًا من الدولة السعودية الأولى التي كانت تُعرف بمكتباتها الخاصة لأئمتها وعلمائها.
وأشار د. عبد الرحمن العاصم لـ «الثقافية» إلى أنه في عهد الملك عبد العزيز، تم افتتاح أكثر من 15 مكتبة بمفهومها الحديث، وشمل ذلك تشكيل لجان لمكتبات المدينة المنورة ومكتبة الحرم المكي الشريف. كما ظهرت جميع أنواع المكتبات، بما في ذلك العامة والخاصة والأكاديمية والمتخصصة، مع التركيز بشكل خاص على تطوير المكتبات العامة، مما ساهم في تعزيز النهضة الثقافية والعلمية في المملكة.
بعد إنشاء هيئة المكتبات في عام 2020، عملت الهيئة على تقييم الوضع الراهن للمكتبات العامة التي انتقلت تحت إشراف وإدارة وزارة الثقافة والإعلام سابقًا. وأظهرت الدراسات وجود عدد من التحديات، بما في ذلك تقادم المباني، وغياب التقنية في الإدارة والخدمات الرقمية للمستفيدين والزوار، وضعف تجربة الزائر. كما تم رصد ضعف في البرامج والأنشطة وغياب الحوكمة وتعزيز الاستدامة المالية.
وبناءً على ذلك، قامت الهيئة بدراسة جميع الخيارات الممكنة والممارسات الدولية لتحسين خدمات المكتبات العامة والمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. لذا جاء قرار إغلاق بعض المكتبات كخطوة متماشية مع دراسة تقييم الوضع الراهن والتوجه العالمي نحو المفهوم الجديد للمكتبات العامة. في الوقت نفسه، قدمت الهيئة حلولًا بديلة للوصول إلى المعرفة، مثل المكتبة الرقمية التي أُطلقت مباشرة بعد قرار الإغلاق، بالإضافة إلى أجهزة المكتبة الذاتية «مناول» وأجهزة المكتبات الصوتية «مسموع».
واختتم د. عبد الرحمن العاصم لقائه بالحديث عن تجربة البيوت الثقافية في أحد رفيدة والدمام، حيث حققت نجاحات ملحوظة من خلال إحصاءات الزائرين وعدد البرامج والأنشطة الثقافية التي أُقيمت فيها. كما عملت الهيئة على عدد من المبادرات المهمة، من بينها المكتبة الرقمية وإطلاق «منصة المخطوطات السعودية»، التي تهدف إلى التعريف بجهود المملكة في المحافظة على التراث العربي والإسلامي والعالمي، حيث تضم المنصة أكثر من 5000 مخطوط كامل.
وزارة الثقافة: هوية وتراث برؤية 2030
* كيف ساهمت وزارة الثقافة في تطوير المشهد الثقافي السعودي والحفاظ على التراث الوطني؟ وما أهمية التخصص والمشاركة المجتمعية في نجاح مشاريعها ضمن رؤية المملكة 2030؟
- تتميز المملكة ببعد حضاري وثقافي يمتد لمئات السنين، وبعد إنشاء وزارة الثقافة شهد القطاع الثقافي نموا غير مسبوق استجابة لرؤية المملكة 2030. لذا جاءت الإستراتيجية الوطنية للثقافة بخطة طموحة متكاملة ومتناغمة. ومشاريع ثقافية نوعية عززت الثقافة السعودية والتراث الوطني. وخلال سنوات قليلة هي عمر وزارة الثقافة حققت الثقافة السعودية الكثير من النجاحات على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي. فالمملكة اليوم حاضرة في المنظمات الدولية والإقليمية بعضوياتها في عدد من المجالس واللجان. وعلى الصعيد المحلي استطاعت وزارة الثقافة توسيع مفهوم الثقافة مما يتصل بالأدب والشعر والنقد، ليشمل جميع فروع الثقافة كفنون العمارة، والتراث المادي وغير المادي، فنون الطهي، الأزياء، الموسيقى، الأفلام، المتاحف والمكتبات وغيرها من فروع الثقاف ة. ونجاح الوزارة يعود لعاملين رئيسين: التخصص والتكامل بإنشاء الهيئات الثقافية، والكيانات الأخرى المتخصصة والذي نتج عن ذلك سرعة في تنفيذ المبادرات والمشاريع الثقافية باعتبارها أهم روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والعامل الثاني المشاركة المجتمعية تحت قيادة سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود الجميع مشارك في تعزيز الثقافة السعودية، والمحافظة على تراثها الوطني باعتبارها واجب وطني.
هيئة المكتبات: ركيزة لتحقيق أهداف الثقافة السعودية
* بالحديث عن المشهد الثقافي السعودي كيف يمكن لهيئة المكتبات المساهمة في تحقيق مستهدفات القطاع الثقافي في المملكة؟
- بشكل عام تحقيق مستهدفات القطاع الثقافي عمل مؤسساتي تتكامل فيه جميع القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية مع اختلاف المهام. فالمكتبات بجميع أنواعها تعتبر المزود الرئيسي، والمحرك الحقيقي للمشاريع الثقافية لما تمتلكه من مقومات ابتداء بمصادر المعلومات مروراً بأمناء المكتبات القادرين على البحث والتقصي ونهاية بخدمات المكتبات. ومؤخراً تعاظم دور المكتبات بجميع أنواعها ليس فقط في حفظ التراث الثقافي المنقول كالمخطوطات، والمسكوكات والوثائق، بل من خلال تحفيز القطاعات الأخرى لإطلاق مبادرات ومشاريع ثقافية من خلال عدة محاور تشريعية، تنظيمية، تنفيذية.
أيضاً المشاركة المجتمعية والتوعية، فاليوم فرصة كبيرة للمكتبات في ظل الطلب المتزايد على الثقافة، لذا فالمشاركة المجتمعية تعد أحد أدوار المكتبات في أداء الدور المأمول منها من خلال تنظيم الدورات التدريبية والبرامج والأنشطة ذات العلاقة بالمهارات الثقافية، وتحفيز الباحثين والمهتمين في تنمية المهارات الثقافية.
مساهمة المكتبات السعودية
* بالعودة للحديث عن المكتبات، كيف ساهمت المكتبات السعودية في النهضة الثقافية والعلمية في المملكة العربية السعودية؟
- تاريخ المكتبات في المملكة العربية السعودية تاريخ طويل يمتد لأكثر من 300 عام وتحديداً من الدولة السعودية الأولى والتي عرفت بمكتباتها الخاصة لأئمة الدولة السعودية الأولى وعلمائها، فكانت الدرعية قبلة للدارسين والمهتمين واشتهرت بمخطوطاتها وعلمائها. وفي الدولة السعودية الثانية استمر الوضع كما في الدولة السعودية الأولى بظهور المكتبات الخاصة لعدد من العلماء وطلبة العلم. ولكن بالمفهوم الحديث للمكتبات كمؤسسات ثقافية فقد ظهرت مع بداية الدولة السعودية الثالثة على يد الموحد المغفور له – بإذن الله – الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كنتيجة طبيعية لاهتمامه بنشر العلم والمعرفة، إضافة إلى اهتمامه – رحمه الله – بالثقافة والمعرفة. وتشير المصادر إلى أن عدد المكتبات بمفهومها الحديث التي تم افتتاحها في عهده – رحمه الله - يصل لأكثر من خمسة عشر مكتبة. كما شملت نهضة قطاع المكتبات في عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله – إنشاء وتشكيل لجان لمكتبات المدينة المنورة التاريخية ومكتبة الحرم المكي الشريف. وظهرت غي عهده تقريباً جميع أنواع المكتبات العامة، والخاصة، المدارس، والأكاديمية، والمتخصصة، والوقفية، ومن بعده شهد القطاع نموا كبيرا، وضمن من ضمن الخطط الخمسية، وبخاصة المكتبات العامة.
قطاع المكتبات
ما هو وضع قطاع المكتبات حالياً في المملكة العربية السعودية؟
- الحديث عن المكتبات يجب أن يكون ضمن إطار أنواعها. فمثلاً المكتبات الأكاديمية في المملكة العربية السعودية تٌعد من الأنواع الأكثر نضجاً وتطوراً بخدماتها ومرافقها. وساهمت وبشكل كبير في إثراء العملية التعليمية الأكاديمية، وساعدت على التحول للتعليم الإلكتروني نتيجة لخدماتها الرقمية ابتداء بإتاحة مصادر المعلومات من خلال الاشتراك في قواعد المعلومات أو رقمنة مصادرها التقليدية، والتوسع في الخدمات عن بعد. والمكتبة الوطنية لها مهام خاصة بها تشمل حفظ الإنتاج الفكري الوطني من خلال نظام الإيداع القانوني، ونظام حماية التراث المخطوط. وعملت منذ إنشائها على تحقيق هذه الأهداف بالإضافة إلى تقديم خدمات نوعية للمستفيدين، وبخاصة الباحثون والطلاب.
والمكتبات المتخصصة وهي الملحقة بالمؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة أو غير الربحية وبالتأكيد خدماتها ساهمت في تطوير مجال عمل المؤسسات التي تتبع لها. أما المكتبات العامة هي التي انتقلت مهمة تأهيلها وتطويرها لهيئة المكتبات فقد مرت بمراحل مختلفة، خاصة فيما يتصل بإدارتها والإشراف عليها. ومع إنشاء هيئة المكتبات تم العمل على خطة إستراتيجية لإعادة تأهيل وتطوير المكتبات العامة بالمفهوم الحديث بيوتاُ ثقافية لضمان تقديم خدمات تتماشى مع تطلعات المستفيدين.
إغلاق المكتبات العامة
* قامت هيئة المكتبات بإغلاق المكتبات العامة في المملكة، وكيف تمت إعادة افتتاح بعضها بعد تأهيلها بالمفهوم الجديد بيوتاً ثقافية؟
- بعد إنشاء هيئة المكتبات في عام 2020 عملت الهيئة على تقييم الوضع الراهن للمكتبات العامة المنتقلة للهيئة أشرافاً وإدارة من وزارة الثقافة والإعلام «سابقا» والتي يبلغ عددها 84 مكتبة عامة منها %50 مباني مستأجرة موزعة في مناطق المملكة. ومن خلال الدراسة تبين عدد من التحديات شملت تقادم المباني وقدمها، غياب التقنية في عملها سواء المتصلة بإدارتها أو الخدمات الرقمية للمستفيدين والزوار، غياب لتجربة الزائر. بالإضافة إلى ضعف البرامج والأنشطة وغياب للحوكمة وغياب كامل لتعزيز الاستدامة المالية. جميع هذه التحديات تسببت في عزوف الكثير عن الاستفادة من خدماتها فبحسب الإحصائيات بلغ مجموع زيارات المكتبات العامة في عام 2017 حوالي خمسين ألف بتكلفة زيارة تصل لحوالي 2500 ريال للزيارة الواحدة مقارنة بحوالي 21 ريال متوسط تكلفة الزيارة عالمياً. بناء عليه عملت الهيئة على دراسة جميع الخيارات الممكنة والممارسات الدولية لتحسن خدمات المكتبات العامة للمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2023 وبرامجها وعلى وجهة التحديد برنامجي جودة الحياة، وتنمية القدرات البشرية. لذا جاء قرار إغلاق المكتبات كنتيجة متماشية مع دراسة تقييم الوضع الراهن ومع التوجه العالمي في المفهوم الجديد للمكتبات العامة. وتزامناً تم العمل على دراسة مستقلة وإستراتيجية لمعالجة قطاع المكتبات العامة في المملكة والتي نتج عنها إستراتيجية تأهيل وتطوير المكتبات العامة المتسقة مع رؤية المملكة باعتبارها منصات ثقافية تشاركية لتنمية القدرات البشرية وتحسين جودة الحياة بتوفير الوصول للمعلومات، والمشاركة الثقافية، والتعليم وتطوير الذات، والمشاركة المجتمعية، وتعزيز التراث الوطني. بمكونات متعددة شملت قاعات المطالعة، والمسارح، والمعامل المتخصصة في تنمية المهارات الثقافية، وتفعيل الأنشطة والبرامج. وفي نفس الوقت قدمت الهيئة حلول بديلة للوصول للمعرفة كالمكتبة الرقمية والتي أطلقت مباشرة بعد قرار إغلاق المكتبات، أيضاً أجهزة المكتبة الذاتية «مناول، وأجهزة المكتبات الصوتية «مسموع».
محتويات المكتبات
* ماذا عن محتويات المكتبات التي تم إغلاقها؟
- لا شك أن المجموعات داخل هذه المكتبات تُعد كنوز سواء كقيمة علمية أو تاريخية وشاهد على الحركة الثقافية والتعليمية في المملكة. لذا كان من الأهمية المحافظة عليها لذا تم استلام جميع محتويات المكتبات المعلوماتية كالكتب، والمجلات وغيرها من مصادر المعلومات في مستودعات خاصة مجهزة بأفضل التقنيات. ويجرى الآن العمل على معالجتها موضوعياً وفنياً تمهيداُ لإعادة استخدامها داخل البيوت الثقافية. وتشمل عملية المعالجة استبعاد الكتب غير المناسبة أو النسخ المكررة، أو الكتب التالفة. أما المصادر الأخرى فيتم معالجتها فنياً بفهرستها وتصنيفها تمهيداً لإعادتها على الأرفف. بالإضافة إلى حصر كتب النوادر منها سواء بطبعاتها القديمة، أو ما دون فيها من مراجعات أو نفاذها من سوق النشر لإعادتها ضمن مجموعات خاصة للمكتبات الخاصة بها.
البيوت الثقافية
* كيف ترون تجربة البيوت الثقافية؟
- تجربة البيوت الثقافية تجريه فريدة ونوعية واستطاعت تلبية احتياجات المستفيدين والزوار من حيث المباني وتجهيزاتها، والتقنية وخدماتها بالإضافة إلى البرامج والأنشطة المُقدمة. فبلغة الأرقام تجربة البيت الثقافي في أحد رفيدة والدمام حققت نجاحات كبيرة فعلى مستوى الزيارات بلغ عدد الزيارات أكثر من 117 ألف زائر خلال أقل من تسعة أشهر. وقُدم فيها أكثر من 1150 نشاطا ثقافيا وتعليميا بعدد حضور تجاوز 25 ألفا للأنشطة والبرامج. وقدم المتطوعون أكثر من 17 ألف ساعة عمل تطوعي. كما بلغ عدد إعارات مصادر المعلومات أكثر من 14 ألف إعارة. جميع هذه الحقائق والبيانات تشير وبوضوح لنجاح التجربة. وهذا غير مستغرب لأن التوجه العالمي في قطاع المكتبات العامة يقوم على إعادة تأهيلها كمنصات ثقافية أكثر من كونها مجرد مكتبة للوصول للمعرفة. وفي هذا العام – بإذن الله – سيتم افتتاح ستة بيوت ثقافية أخرى في كلّ من الرياض، بريدة، حائل، سكاكا، نجران وجيزان.
المكتبة الرقمية
* ماذا عن مشاريع ومبادرات هيئة المكتبات الأخرى؟
- عملت الهيئة على عدد من المبادرات من أهمها المكتبة الرقمية والتي تتيح الوصول للمعرفة بالإضافة إلى حضور البرامج والأنشطة التي تقام داخل البيوت الثقافية والتي من المتوقع أطلقها خلال هذا العام، كما عملت على إطلاق جهاز مناول والذي يعد مكتبة ذاتية وجهازا مسموعا ورفا كمكتبات صوتية. كما أطلقت منصة المخطوطات السعودية للتعريف بجهود المملكة العربية السعودية في المحافظة على التراث العربي والإسلامي والعالمي. حيث تضم المنصة أكثر من 5000 مخطوط كامل.
** **
@ali_s_alq