علي حسين (السعلي)
النظرية:
استكتاب المجتمع الغربي بمعرفة واقعه من خلال فن الديستوبيا، تخيّل مدينة فاسدة يحكمها الفاسدون المتحكمون في مصير شعب من خيال علمي بتقنياته المستحدثة، وذلك من خلال اجترار الواقع بمنطق معكوس مفاده «البعيد المرتكز على القريب في التقاء منتصف الواقع « وهي ضد اليوتوبيا المدينة الفاضلة.. فاليوتوبيا:
جزيرة خيالية في المحيط الأطلسي،وهو كتاب ساخر عن حالة إنجلترا. صاغ الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل مصطلح «ديستوبيا»، الذي يعني «المكان السيئ»، في عام 1868 عندما كان يندد بسياسة الأراضي الأيرلندية التي تنتهجها الحكومة. وقد استلهم أفكاره من كتابات مور عن اليوتوبيا.
(القراءة التفصيلية)
- المؤلف، والسيناريو:
حاول المؤلف في روايته «ألعاب الجوع» The Hunger Games
ألعاب الجوع هي رواية ديستوبية نشرتها سوزان كولينز عام 2008 يتم اختيار بطلة الرواية، كاتنيس إيفردين، للمشاركة في حدث سنوي يستضيفه الكابيتول. يُطلق على هذا الحدث اسم ألعاب الجوع، ويتكون من صبي وفتاة من كل منطقة يتقاتلان حتى الموت على شاشة التلفزيون.
- الإخراج:
هنا نقف بشكل موسّع في تتبع أحداث الفيلم من خلال
الشخصيات ، الأحداث ، الزمان ،المكان ، المشكلة ، الحل ،وهي عناصر للحكاية فنيا ونقوم بها نقديا فيما يأتي ، لقد أجبرنا المخرج دراميا في تتبع الأمكنة والتي عبّر عنها بشكل مخيف عالم افتراضي تكنولوجي حديث متخيّل ففي بداية الفيلم تظهر شخصية امرأة مقاتلة بعينين باكية حادة والحزن على ملامحها دخول الكاميرا من أول الفجر لمنظر غابة تظللها سماء قاتمة تجول الكاميرا احترافيا من أسفل الغابة مرورا بأعلى الأشجار اليابسة المتوشحة بالسواد حتى تتوقف هناك في آخرها بالكاد تشرق الشمس لكنها تستحي أن تشرق مع موسيقى حزينة كأن طبول الخراب تقترب !
هذي المرأة يبدو أنها متمردة على الواقع الذي تعيش فيه دولة يحكمها متسلطون طغاة اتخذت من الألعاب ذريعة للإبادة والخراب والدمار، مدينة فاسدة لا تصلح للعيش الإنساني، في أوّل لقطة للفيلم تظهر كاتنيس وهي تترقّب اصطياد ديوك رميّة ، في بداية النهار ويظهر عشيقها وفي أول سهم تخيلت أنها قتلته ، رعب خوف دمار حلّ بهذا المقطع الأول من الفيلم، وهكذا تستمر الحكاية شيئا فشيئا تظهر للمشاهد أحداث درامية لعل أهمها لقاء الرئيس حين يحذر كاتنيس من بوادر تمردها مهددا إياه بعائلتها وهنا رمزية بأن العائلة هي ما تبقى لهذه المدينة الفاسدة وشعب مغلوب على أمره يتفرّج على الألعاب بين قتل ومنظر الدماء سعيد ويشجع وهناك فئة فقيرة تنتظر مصيرها من الموت هذا الانقسام بين فئتين تضافر بين مؤلف يطمح بالاستقلال ومخرج بأدواته الفنية في اظهار ذلك بانقسام عرقي طبقي استغلال رأسمالي …
- دراما الأمكنة بآلة الخوف:
القطار محطة عبور المقاتلين المنتصرين من 13 مقاطعة
القردة المتوشحة في نظر الغرب البدائية في أنسنة الحيوان ، الضباب المسموم ظاهره فرح وبين طياته الموت ، البحيرة مكان حلبة الصراع لمحاولة البقاء كذلك الطيور المهاجرة المتحولة التي تحدث أصوات مقلدة لأصوات العشّاق لكل طرف من المقاتلين المنتصرين السهام، السواطير… كلها وظفها المخرج لإنتاج مدينة فاسدة
- المشكلة / العقدة:
نجح المؤلف فيها بأن كل لعبة جوع هناك خوف من الموت، وكذلك المخرج من خلال التصوير كشف قناع الوجوه بالتركيز عليها من كل الاتجاهات، وعمل «فوكس « قوي لكل عيني ممثليه وهو استحلاب المشاهد من كل ما يشاهده بعينيه في تلك العيون الحزينة مرة والمشجعة والفرح المغلّف بانتظار الموت !
الخلاصة :
هو فيلم ديستوبي لمدينة بلا ملامح سوى البطش والقتل والخراب ،وكان المخرج العبقري فنيا في أحداث الفيلم يبرز ثلاثة أشياء :
- الموت مقابل العاطفة بين عشقين
- الدمار بلعبة التكنولوجيا بآلة الجوع
- التمرّد القادم باستقلالية الحياة
- الخراب بالعودة إلى الطبيعة
نقطة أخيرة.. وأظنها مهمة:
ذلك المذيع في الفيلم والذي مهمته تطبيل السلطة والوقوف مع المقاتلين لتحدّث معهم بمسافة تميل للبطش ، وفي نفس الوقت للمقاتلين بمسافة بسيطة، وكأن المخرج أراد أن يوحي بالإعلام وكذبه والوقوف بجانب القوي على حساب كشف الحقيقة من خلال تزييف الواقع، وذاك الصراخ الذي يظهره على مسرح الحلبة هو انبجاس يباس مدينة الخوف …
سطر وفاصلة
الأفلام السعودية قطعت شوطا لا بأس به لكننا نتأمّل في ابراز هوية طبيعة السعودية مناخا وطقوسا وتضاريس من خلال عمل يشتق من الحكايات الشعبية بكل منطقة منارة أو محطة للإبداع ..
نحتاج إنتاج ضخم ، قصة تَعْبُر الواقع الصحراء، القرى ، الإبل، الفروسية ، الرياضة كل ذلك من منظور واقعي بمعنى القبض على الحديث بالارتكاز على الموروث والحداثة مع الأصالة في دراما المختلف والمقارن بين كيف كنّا وصرنا ، نريد ممثلين قادرين على التعبير!