خالد محمد الدوس
نوافذ من علم الاجتماع الثقافي هي زاوية نسلط الضوء فيها على العديد من المفاهيم والموضوعات والنظريات المرتبطة بهذا العلم الفتي الذي يدرس أثر الثقافة على الحياة الاجتماعية كحقل خصب يتفاعل مع التحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتحديات العولمية التي يشهدها عالمنا المعاصر.
نتناول اليوم أحد موضوعات هذا الميدان الحيوي وهو موضوع التغير الثقافي الذي يعرف بأنه: التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة أو عناصرها، بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنولوجيا. كما يشمل فوق كل ذلك كل التغيرات التي تحدث في أشكال وقواعد النظام الاجتماعي.
فالتغير الثقافي بشكل عام جملة التحولات والتبديلات التي تطرأ على أحد عناصر الثقافة أو على أحد الأبنية والمراكز والأدوار الاجتماعية.
ويرى علم الاجتماع الثقافي أن التغير الثقافي يعتمد على رأس المال الأجنبي إن جاز التعبير أي أنه ينجم عن الاتصال الخارجي مع الثقافات الأخرى. ويقوم في الوقت ذاته على الحركة المفاجئة السريعة، كما أنه يعبر عن التغير الذي يحدث في أجزاء الثقافة أي في بنائها أو في عناصرها أو في مضمونها وذلك حسب، أي معنى آخر المقصود بالتغير الثقافي كل المتغيرات التي تحدث في كل عنصر من عناصر الثقافة المادية كانت أم غير مادية، بما في ذلك الفن والتكنلوجيا والفلسفة والأدب والعلم واللغة والأذواق الخاصة بالمأكل والمشرب أو وسائل المواصلات والنقل والصناعة. كما يشمل فوق ذلك كل التغيرات التي تحدث في أشكال وقواعد النظام الاجتماعي.
ويرتبط مفهوم التغير الثقافي بمفهوم آخر هو (التعجيل الثقافي) وهو يعني زيادة معدل التغير الثقافي. فالعالم الشهير وليم أوجبرن يفترض أن التراكم يرجع إلى صفتين في العملية الثقافية:
أحدهما ثبات الأشكال الثقافية والأخرى إضافة أشكال جديدة. وبذلك ظهرت بعض المشكلات نتيجة تباين نسبة التغير في الثقافة المادية واللامادية وتتوصل إلى ما اطلق عليه أمس (الهوة الثقافية)..!!
وهناك أمثلة كثيرة عن التغير الثقافي في المجتمعات المعاصرة المختلفة منها:
تغيير القيم والمعتقدات: مثل تغير مفهوم ومظهر الزواج والأسرة وقد تتغير القيم المرتبطة بالدين أو الأخلاق. وأيضا تغير الثقافة الشعبية، وهنا قد يتغير طعام الناس وملابسهم وفنونهم مع مرور الوقت. وكذلك تغير اللغة أي أن اللغة التي تشكل وعاء الثقافة قد تتغير بالتأثيرات الثقافية الأخرى وتتغير بالتالي مفرداتها وقواعدها.
ومن الأمثلة تغير الهوية الثقافية أي أن الافراد في المجتمع يتبنون عناصر ثقافية جديدة وبالتالي يتخلون عن بعض العناصر الثقافية القديمة في حياتهم عامة، ويرى ألفريد فيبر وهو من رواد علم الاجتماع الثقافي أن التغير الثقافي ناتج عن العوامل البيئية والغرائز البشرية والإرادة والمصير التاريخي والظروف الجغرافية ويقر بعدم وجود قوانين ثابتة وصحيحة؛ لأن الثقافة ذاتها تنشأ من قوة الإنسان الإبداعية التلقائية حسبه.
ومن خلال اهتمام علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا بدراسة التغير الثقافي ومعرفة مصادره، حظيت عملية التراكم الثقافي وكيفية حدوثها باهتمام خاص، إذ افترضوا أن عملية التغير الاجتماعي تتم عن طريق عوامل داخلية كالاكتشافات والاختراع والتجديد. وعمليات خارجية كالانتشار الثقافي بين الثقافات وهذه العوامل نذكرها فيما يلي:
1- الاكتشاف:
يعبر عن الاكتشافات لمحصلة الجهد البشري المشترك في الإعلان المبدع عن جانب من جوانب الحقيقة القائمة بالفعل، ومن محصلات الجهد البشري المبدع كالاكتشافات الصناعية أو الطبية وغيرها، ويعتبر الاكتشاف إضافة جديدة لمخزون المعرفة الحية للبشرية عبر تاريخها الطويل، ولا يصبح الاكتشاف عاملاً محدثاً للتغير الاجتماعي إلا بعد استخدامه من قبل المجتمع. وقد يصبح الاكتشاف جزءا من القاعدة الثقافية التي يستخدمها أفراد المجتمع عند إصدار حكمهم أو تقييمهم للممارسات الجارية.
2- الاختراع:
يرى علماء الاجتماع أن الاختراع لا يقتصر على الجانب المادي من الثقافة بل يتضمن بالضرورة الجانب غير المادي منها.
ويرى العالم أوجبرن أن الاختراع مفتاح التغير الثقافي وأن الثقافة ككل وليدة الاختراع ويعرف ميرل الاختراع بأنه توليف جديدة لسمتين ثقافيتين أو أكثر مع استخدامها في زيادة محصلة المعرفة الموجودة بالفعل ومن أمثلة الارتباط بين سمتين اختراع جورج سلون.
3- الانتشار:
يشير الانتشار إلى العمليات التي تنتج تمايلاً ثقافياً بين مجتمعات متباينة كما أن معظم التغيرات الثقافية التي تحدث في جميع المجتمعات الإنسانية المعروفة تتطور من خلال الانتشار ولا تتم عملية الانتشار بين مجتمع وآخر. وإنما قد تحدث داخل المجتمع الواحد بانتشار الخصائص الثقافية من جماعة لأخرى.
ويمكن أن نقسم التغير الثقافي كظاهرة ثقافية عامة إلى أنماط على غرار التغير الاجتماعي وبالتالي تكون بصدد تغير داخلي ناجم عن عوامل داخلية، وتغير ثقافي خارجي ناتج عن مؤثرات خارجية عن المجتمع المعاصر.
وبالطبع يحدث التغير الثقافي الداخلي نتيجة لمجموعة من العوامل والعمليات الداخلية وهي الآليات الثقافية التي تنبع من المجتمع الأصلي، ومن هذه العمليات الثقافية: التجديد - الاختراع - الاكتشاف.
1- التجديد: يذهب هولتكرانس إلى أن التجديد يعني أن عنصرا ثقافيا جديدا مقبول الثقافة وهو كذلك العملية التي تؤدي إلى هذا القبول والتي يمكن وصفها صورة من صور التغير الثقافي.
2- الاختراع: الاختراع هو إضافة ثقافية تحدث نتيجة عمليات مستمرة داخل ثقافة معينة ويرى أوجبران أن الاختراعات هي توليفات بين عناصر الثقافية قائمة فعلاً في شكل جديد، أما لينتون فإنه يرى أن الاختراع هو تطبيق جديد للمعرفة.
3- الاكتشاف: هو الإضافة الثقافية التي تحقق من خلال ملاحظة الظاهرة الموجودة ولكن لم يسبق الالتفاف إليها من قبل والمتضمنة على حالتها هذه ويعرف العالم هوبل الاكتشاف بأنه عملية الوعي بشيء قائم بالفعل ولكن لم يسبق إدراكه من قبل.
أما التغير الثاني الخارجي يعني الانتشار ونقل المواد الثقافية على المستوى الأفقي من مكان إلى آخر وقد استخدم العالم الشهير تايلور هذا المصطلح في كتابه (الثقافة البدائية) وهو يشير إلى توزيع الخرافات الروائية (الأساطير)، ففي موضع آخر أشار أيضا إلى أن الانتشار قد نهض للإجابة عن سر تشابه كثير من السمات والعناصر الثقافية في مجتمعات متباعدة عن بعضها البعض وكانت إيجابية تتلخص في أن التشابه مرجعه إلى انتشار الثقافة وهجرتها وانتقالها من مصدر واحد أو من عدة مصادر أو المراكز المشتركة.
فالتشابه إذا راجع إلى هجرة الثقافة أو بعض عناصرها نتيجة للاتصال الثقافي بين هذه الشعوب وتلك المجتمعات وقد تكون جزئية قاصرة على بعض ملامحه فقط. وأخيرا للتغير الثقافي حزمة دينامية تتمثل في «الاتصال- الانتشار- التثاقف» تقوم بصورة تفاعلية في نقل وتبادل ونشر العناصر الثقافية المادية وغير المادية من مجتمع الى آخر عبر التفاعل المباشر وغير المباشر.