نجيب الخنيزي
انتكاس المشروع النهضوي/ التحرري الذي عبّرت عنه بشكل فاقع هزيمة الجيوش العربية أو ما يُسمى تورية «نكسة» الخامس حزيران - يونيو 1967 وذلك على يد القوات الإسرائيلية، والتي مرت قبل أيام ذكراها الـ48، وبدون أدنى اهتمام جدي بها، اللهم إلا بعض مقالات وكتابات محدودة، على الرغم من أنها دشنت مرحلة مفصلية في تاريخ العرب والمنطقة بوجه عام، حيث تكرّس ضعف واختراق وتراجع وانحدار النظام العربي الرسمي على كافة الأصعدة والمستويات.
تداعيات هزيمة 5 حزيران - يونيو 67 انعكست في استفراد إسرائيل المدعومة حتى النخاع من قبل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، بالقوة والهيمنة في عموم المنطقة من جهة، وفي تراجع الأحلام الوطنية/ القومية، وتبخّر شعارات مثل تحرير فلسطين والوحدة العربية من جهة أخرى.
في أعقاب الهزيمة، لم يتعمّق النزوع القطري والانكفاء على الذات فقط، بل وكان من تداعياتها بروز وتصدر الهويات الفرعية، وتصدع العديد من الكيانات والمجتمعات العربية.
ومع تفجّر ما يسمى بثورات «الربيع العربي» التي أحيت الآمال أو الأوهام في إمكانية استعادة الحلم والأمل العربي بغد أفضل، غير أن «الربيع» سرعان ما تحول إلى جليد قارس من البؤس والخراب والدمار للبشر والحجر والشجر، حيث أكل الأخضر واليابس، وأحال مجتمعاتنا العربية إلى صحراء يباب قاحلة يسكنها القتل والرعب والخوف من الآتي من الأيام السوداء، وذلك على يد التشكيلات «الإسلامية» الهمجية التي شوَّهت سمو أخلاقيات الإسلام الحقيقي المبني على التسامح والانفتاح وحرمة واحترام المغاير، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والصومال والسودان وغيرها.
علينا أن نقف عند العامل الرئيس في هذا الانهيار الحضاري المجتمعي والأخلاقي المريع، والذي يتمثّل في فشل الدولة العربية الوطنية تحت عناوينها المختلفة، في تمثّل أسس الدولة المدنية العصرية - الحديثة، إلى جانب الفشل الذريع في تحقيق مستلزمات التنمية المستدامة والمتوازنة، ومواجهة مشكلات العمل والتعليم والصحة والفقر والبطالة، وخصوصاً لدى الشباب العربي، حيث يشكل الشباب دون سن الـ25 عاماً 70% من العدد الإجمال للسكان في العالم العربي، والتي نجحت التنظيمات الإرهابية في تجنيد عشرات الآلاف منهم (بعد تفخيخ عقولهم بالفكر التكفيري الاستئصالي) وتحويلهم إلى أدوات قتل وتدمير وتقسيم خدمة لأهدافها الشيطانية.
هذه العوامل وغيرها أدت إلى الصعود المخيف للهويات الفرعية وتضخمها على حساب الوحدة الوطنية/ المجتمعية في العديد من الدول العربية، وهو ما يعيدنا مجدداً إلى ما يمكن تسميته سايكس- بيكو 2، ولكن هذه المرة تحت عنوان الدويلات والإمارات الدينية/ المذهبية/ المناطقية/ القبلية المتحاربة والمتناحرة، في حرب الجميع ضد الجميع أو «المأكلة الكبرى» وفقاً للفيلسوف الإنجليزي الشهير توماس هوبز.