يوسف المحيميد
من يتأمل تاريخ العلاقات السعودية الروسية، يُدهش كيف لم تنمو بشكل أكبر على مدى تسعين عاماً تقريباً، خاصة أنّ روسيا، أو ما يعرف بالاتحاد السوفيتي سابقاً، هي أول دولة تعترف بالدولة الناشئة آنذاك، المملكة العربية السعودية، وهي أول دولة تصل منها حمولة نفط للمملكة محملة بالكيروسين، ولكن رغم ذلك، بقيت العلاقات غير متطورة، خاصة بعد دخول الأمريكان بعد فشل البريطانيين في الاستثمار البترولي، في أرض أصبحت أهم مورد للطاقة في العالم.
وفي العام 1932 في عهد المؤسِّس زار الملك فيصل حينما كان أميراً شاباً في السادسة والعشرين، الاتحاد السوفيتي، أسهمت في نمو العلاقات الثنائية بين البلدين في ذلك الوقت، وهاهو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي عهد والده الملك سلمان، يقوم بزيارة مشابهة إلى روسيا، مشابهة في طموح الشابين إلى القيام بدور فاعل تجاه وطنهما، ومختلفة تماماً في الظروف السياسية الدولية الراهنة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً ما يتعرض له العالم العربي من تدخلات إيرانية واضحة ومعلنة لفرض نفوذها على دول عربية ذات سيادة واستقلال، كلبنان والعراق وسوريا، وأخيراً اليمن، قبل أن تتدخل السعودية ودول التحالف، لإعادة السلطة الشرعية فيها.
في هذه الزيارة لولي ولي العهد، وفي ظل هذه الظروف السياسية المضطربة، إشارة واضحة من الرياض، إلى أن المملكة قادرة على تعزيز علاقاتها المتنامية مع كل دول العالم، والاحتمالات مفتوحة تماماً لمزيد من الصفقات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية مع مختلف الدول الكبرى، كروسيا والصين، فضلاً عن العلاقات القديمة المتينة، والمستمرة، مع الولايات المتحدة، حتى وإن اختلفت وجهات النظر فيما يحدث في المنطقة.
لقد مارست روسيا دوراً سلبياً في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية، واستخدمت حق النقض (الفيتو) مع الصين، لإيقاف أي قرارات تدين النظام السوري وتعاقبه، لكنها الآن، فيما يبدو، أدركت خطأ موقفها، والإصرار على بقاء ديكتاتور مستبد يقوم بإبادة شعبه على مدى أربع سنوات!
هذه الزيارة لولي ولي العهد، وعلى هامش أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبيرغ، ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جاءت في وقت مناسب للغاية، لفتح هذه الملفات موضع الاختلاف، وكذلك لتوقيع اتفاقيات اقتصادية مهمة في مجالات البترول والطاقة.
ونظرًا للمكانة السياسية والاقتصادية التي تحتلها المملكة عالمياً، وكما كان متوقعاً، ركزت الصحافة الروسية، وحتى الأمريكية والأجنبية عموماً، على هذه الزيارة، وبدأت التكهنات مبكراً عمَّ يمكن أن تُحدثه هذه الزيارة من أثر واضح وكبير، سواء على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، أو على مختلف دول العالم.