د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
شهر الصيام مقبلٌ يتألقُ
طُوبى لمن لاقاه غيث يُغدقُ
شهر الصوم هو الركن الرابع من أركان الإسلام التي أضاءت حياة المسلمين، وله في كتاب الله فرائد وفوائد، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185 سورة البقرة).
جاء رمضان يطرق ذاكرة المسلمين، ليذكروا عهودهم وجدودهم، جاء رمضان ووطننا بخير وأرضه آمنة مخضرة، وجاء رمضان ومساجدنا تزيّنت لاستقبال الصائمين، وازدانت مواقع التواصل بالتهاني بين المسلمين حروفاً تكتسي بالطُهر، وترتحل إلى رب الأكوان أن يبلغ المسلمين خيره وإتمامه.
جاء رمضان وحدودنا تطوقها أيادٍ باذلة قوية تحب الوطن، وتعشقه ليبقى مهوى أفئدة المسلمين.
شهر رمضان عذوبة العبادة ونميرُ مائها، وليالي رمضان طرائق فائزة، وأيامه بحار لحيازة الأثمان الغالية من أصدافه.
رمضان عبادة وإصلاح وصلاح، ومراجعة للأوراق.
رمضان هدى للناس وبينّات من الهدى، وتسامٍ في الخلق، ودعوة إلى التآزر والتعاون والرحمة.
شهر رمضان شهر القوة والعمل، يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في كلمته بمناسبة حلول الشهر الكريم ( شهر رمضان لم يكن شهر راحة واسترخاء وفيه من الفضائل ما يشحذ الهمم والبذل ).
شهر رمضان وسم ُاجتماع للمسلمين نتذكره ونعيشه كل عام، ونعي أن ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم، وما يوحّدهم قلوبهم أكبر مما يباعدها.
يتقاطر العقل يقينا تزدان به صحائف رمضان، ويعبق الشعور فخراً بأن منّ الله علينا والمسلمين بصيام الشهر وقيامه، وها هي نفوس المسلمين تفيض صفاء ونقاء في هذه الأيام المباركة.
وللعبادات فروض وواجبات، وللصيام في شرائعه مثلها، وهذا في إهاب المسلمين وعقولهم، وعند ذاك فإنّ الأرواح المضيئة تلاقي آفاق العالم لتتحدث عن المسلم في صومه، حيث تواشج المشاعر بين المؤمنين والبذل والصدقة، وإحياء السنن، وتفطير الصائمين، وتبادل الصلة والتواصل؛ وتنفق الساعات في البر والعبادة وتلاوة القرآن.
وحسبنا روعة وجمالية أن الله سبحانه وتعالى أحاط شهر الصوم بالهدى، وفيه توجيه للمؤمنين أن يحسنوا في أفعالهم وأقوالهم، وأن يأمروا بالمعروف أينما كان موقعه وحجمه، وأن تصبح العبادة يقيناً تملأ مرتكزات العمل ودوائره ومحيطاته، وأن يكون الشهر الفضيل سبيلاً للتعاون والتواصل بين المسلمين في بلدانهم المختلفة وداخل محيط الوطن الواحد.
شهر رمضان مصنع وافر لطاقات النقاء الروحي، تصفو به النفس من الحسد والوجدان من الغل وأكل لحوم البشر.
أيها المسلمون هذه صباحات رمضانية باذخة بكل الروحانية، تشرق شموسها على المسلمين، ليكونوا إخوة يشدّ بعضهم بعضاً، ويقفوا صفاً واحداً ضد المعتدي الأثيم، ويمدوا خمائل السلام فوق أراضي الأوطان، فأنتم كما قال اللطيف الخبير {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ...} ( آل عمران 110)
إنّ شهر الصيام يمنح المؤمنين طاقات استثنائية لها وجوه كثيرة يُشترى بها لقاؤه عز وجل، وتنتظر مواعيده كل عام أمنيات بمسلم يبني من خشوعه فصوصاً من الدرر أثمنها البر والإحسان، وكينونة النور، والإيمان العميق في الصدور ..
بوح للشهر الكريم:
رمضان يُعلّمُنا أنّ الأماني مطلب نحو الفلاح
وأنّ الصبر تاج المؤمنين ذوي الصلاح
وأنّ بشائر الشهر الكريم داعم نحو النجاح