د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
دائماً ما يُردّد البشر داخل احتجازهم في بعض فضاءات العمل أن البقاء للأفضل، وتتناقل الشائعات من ثقوبها التي تسعد بوجود أخبارهم مع احتساء القهوة كل ما يدور حول ذلك البقاء، وكأن البقاء أصبحت له طقوس تُروى مثل حكايات الخرافة المستحيلة؛ الغول والعنقاء، يقول الشاعر صفي الدين الحلّي:
لما رأيت بني الزمان وما بهم
خلٌ وفيٌ للشدائد أصطفي
أيقنت أن المستحيل ثلاثة
الغول والعنقاء والخل الوفي
ويبدو أن الأفضل واصطفاؤه كنموذج أصبح مثل الحكايات التي تساقطت من قوافل الأسلاف، لأن ذلك القانون البَشَرِي (البقاء للأفضل) في وجود مقاييس الفرز والتصنيف الممنهجة علمياً أراه في نظري حجة وتخلّص من واقع الانتقاء الفوضوي الذي أحاط بكثير من دوائر العمل.
وفي ذلك السياق حدثتني إحداهن لتشاركني نشوة الضوء وكأنها ضابط منتصر تمت ترقيته, وهي من قوادح المكان ومشاعله؛ حدثتني أنها استمعت إلى سياق مفاده أنهم اكتشفوا أن البقاء للأفضل؛ وكان الطرح في موقف قدري ملزم وحالة استثنائية ساقها القدر ونعم بالله؛ وعقدتُ عزمي للبحث عن قوانين ذلك البقاء؛ وحدود الأفضل داخل تلك الجماعة التي لابد أن تنصاع للقوانين المصيرية (ولابد دون الشهد من إبر النحل) وأعترف ُ أن ظمئي لتفسير شوارد ذلك القانون البشري ومكوناته كان في علاه وقمته؛ ذلك أن خطوات الانتقاء ومعاييره لمعت في إعلانات قطاعات العمل المختلفة؛ ودوّنت فيها الوثائق؛ في المواقع الإلكترونية لتلك القطاعات تحيطها هيبة الموضوع، وهدفه السامي.
وعندما نتمعن في تلك الصياغة «البقاء للأفضل» فإن هناك إيحاء بأن الحكم بالأفضلية كان بعد تجربة طالت أو قصرت؛ وهناك نبحث عن الضحايا ممن كانوا تحت ذلك السقف الذي لم يكن الأفضل، واكتشفت المؤسسة بعد لأيٍ أنه لم يكن اختياراً مناسباً!! فأين تُبنى القواعد التي تحمل الأهداف؛ ومعايير الانتقاء إما مغيّبة داخل الجدران؛ أو هلامية الدلالة؛ ومطية سهلة الانقياد تمتهن على قارعة الطريق لتكون سلاحاً يركبه من لا يحسن الحكم، ولا يملك الحكمة؛ وقد لا يكون دخل إلى مضمار الصناعة قط حتى يُنصّب نفسه على المتسابقين في ذلك المجال..
ومن هنا وعندما تقرّر المؤسسات أن البقاء للأفضل بعد أن تمخضت جنايات عديدة ليُنتقى، ويصطفى من يستجيب للغايات الشخصية؛ وللأسف أولئك من يُعلن من خلالهم فكر المؤسسات، وتُحدّد منطلقات العمل فيها، واستُبعدت النماذج المضيئة في ظل غياب السند المعياري الملزم المحاط بالذمة والأمانة، ولأن واقع العصر وعهد الحزم والعزم يحتم أن يكون الاستقطاب للأفضل شعاراً، وأداة فاعلة مطورة لمنهجية العمل من المنظور الوطني التنموي يُعتمد عليه في الكشف عن اتساق الواقع وإعادة تقييم ذهن الإنسان، وتخليصه من الأوامر المحنطة؛ وبما أن جُلّ القطاعات قد رصدت معايير الاستقطاب وفق متطلبات العمل في نطاقها، فالقضية كما تبدو لي وأحسبها كذلك عند أولي النهى والأفهام لا تعدو إلا أن تكون قدرة على مغالبة التركيب النفسي والذهني والعاطفي وفهم قضية الاختلاف في القدرات، وإن كانت مؤلمة لمن هم دون المعيارية؛ ومن تفصلهم فوارق الحكمة والاحتكام إلى المصالح العامة وليس الخاصة وإن تبدلت المواقع..
قال تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (29 - 32) سورة طه.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أباذر إني أراك ضعيفاً وأني أحبك ما أحب لنفسي لا تؤمّرنَّ على اثنين ولا تولين مال اليتيم) رواه مسلم في صحيحه.
بوح للأفضل
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمُ