رقية الهويريني
من تعريف الحَكَمَة (في معاجم اللغة) يتبين أنها ما أحاط بحنكَي الفرس، وسمِّيت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد، وتُذلّل الدابة لراكبها، حتى تمنعها من الجماح، ومن التعريف اشتقت الحِكْمَة؛ لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل. ويقال أَحْكم الأَمر أي أَتقنه فاستَحْكَم، ومنعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عما يريد. والحكيم هو الشخص العاقل الذي يرجح الأمور نحو الصواب بما امتلكه من خبرات عبر تجاربه في الحياة. كما تكون الحكمة بعمل ما ينبغي كما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، أي وضع الأمور في نصابها.
أما علم الحكمة فهو يبحث عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر قدر الطاقة البشرية. وموضوع العلم (الأشياء الموجودة في الأعيان والأذهان).
العجيب هو تداول عبارات أصبحت في حكم المسلًمات مثل «خذوا الحكمة من أفواه المجانين» وهي عبارة خاطئة بل مضللة، لأن الحكمة لا تؤخذ من أيِّ عاقل؛ بل تؤخذ من عاقل يتصف بأنه صاحب رؤية وتجربة وحنكة. وتداول مثل تلك العبارات بين الناس يحدث لبساً وتشويشاً وقد تشيع وتتحول لمفهوم سائد يؤخذ به، ولو حصل ذلك لوجدت عبارات بعض المجانين أو المعتوهين تداولاً واستخداماً بل ربما يذهب بعضها مثلا لكثرة رواجها !
وأحسب أنه من المفروض تنقيح بعض الأمثلة المروّجة أو ما تسمى حكماً وهي بعيدة عن الحكمة والعقل والمنطق مثل «الموت مع الجماعة رحمة» بما يؤصل التبعية ومجتمع القطيع، فالموت مصيبة وقدر، فكيف تحول لرحمة حينما ارتبط بالجماعة؟! أيا كانت الدعوة للالتفاف حول الجماعة ! وكذلك مثل «ضع بينك وبين النار مطوعا» بما يخلع التفكير وتحمّل المسؤولية وتفويضها لرجل الدين! والله يقول (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) والأعجب من ذلك أن بعض الناس يدرك خطأ المثل أو الحكمة الوهمية ومع ذلك يجامل محدثه ويوافقه، وقد يتبناها وينشرها!
ولعله من الحكمة وسداد الرأي تطهير وتنقية الأمثال الخرافية والحكم الأسطورية التي تعارض المنطق والعقل وتؤصل لفكر ملوث، لاسيما ما تتعلق بالمرأة أو التربية أو حتى الدين وتوظف في غير مضانها الحقيقية، ومهما يكن؛ فالحكمة لا تؤخذ من أفواه المجانين وإلا لعمت الفوضى، وساد الاضطراب.