محمد آل الشيخ
علماء السلف غير المتأخونين، يُصرون على أن الانتحار محرم شرعا، وبناء عليه فإن (العمليات الانتحارية) لا تجوز مهما كانت المبررات، ومن أقدم عليها فهو في النار، فضلا عن أن يكون شهيدا.. وأبرز هؤلاء المشايخ السلفيين الأقحاح وغير المتأخونين، الذين يُحرمون ويُجرمون العمليات الانتحارية الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين، وكذلك الشيخ السلفي المرجعي والمعاصر اليوم الشيخ صالح الفوزان؛ فهؤلاء الأعلام السلفيون الثلاثة يُجمعون على أن الانتحار لا يجوز، عملا بقوله جل شأنه (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، وبالتالي فإن فقهاء الإخوان، وكذلك السلفيين المتأخونين، عندما يبيحونها يُخالفون نصا قرآنياً صريحا لا يجوز مخالفته، إضافة إلى مخالفتهم قاعدة شرعية مستقرة في علم أصول الفقه تقول: (لا اجتهاد مع وجود النص).
الدواعش المتفرعون من (القاعدة)، والمتفرعة بدورها من فرقة (القطبية الإخوانية)، هم بلا شك مُبتدعون خُلّص وبامتياز؛ و(المبتدع) في المصطلح الشرعي تم اشتقاقه من (ابتدع في الشيء، ابتكره واستحدثه وأنشأه، ولم يكن له عند السلف سابقة، لا بالمثل ولا بالقياس)، وهذا ما ينطبق انطباقا كاملا على القول بجواز الانتحار، فلم يُؤثر عن فقيه حتى من الفرق والمذاهب الأخرى، أنه قال بهذا القول؛ اللهم إلا فرقة متناهية الصغر باطنية وليست سلفية، نشأت في بلاد فارس ردحا قصيرا من الزمن، ثم اندثرت تماما، ولم يعد لها أتباعا؛ هذه الفرقة تُسمى (الإسماعيلية النزارية) وسماها ابن خلّكان (الفداوية)، وسماها الغربيون (الحشاشينAssassin)؛ وبقيت في تلافيف التاريخ، حتى جاء المتأخونون وسلفيوهم، فأحيوها وألحقوها بأهل السنة. وأضافوا لها مسمى (العمليات الجهادية)؛ ومن يقرأ ويبحث سيكتشف بسهولة أنها ليست البتة من تراث السلف قط.
أما وقد أخذت هذه البدعة الفقهية، منحنا خطيراً، بلغ إلى درجة استغلال الحركيين المتأسلمين للسفهاءَ صغار السن من ذوي العاهات النفسية، لجعل الانتحار - (الاستشهاد) - بمثابة طريق من خلاله يتم تطهير النفس من الآثام والذنوب، والدخــول إلى الجنـة، والتمتع بنعيمها الدائم، يُحتــم علينا التعامل مع هذه (البدعة) تعاملا حاسما واجتثاثيا وباتا، انطلاقا من القاعدة الأصولية المُعتبرة في كل المذاهب الإسلامية التي تُجمع على أن: (الوسائل تأخذ أحكام المقاصد وجوبا، وندبا، وكراهة، وتحريما، بوصفها الطرق المُفضية لها والمحققة لغاياتها، على ضوء الأوامر والنواهي الربانية)؛ والأمر الرباني، بتحريم الانتحار جاء في سياق النهي المطلق وغير المُقيد، والمغلظ بالوعيد الشديد لمن خالفه؛ هذا ما تضمنته الآية القرانية: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نُصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا)؛ ولا أدري كيف يجرؤ بعض المبتدعة المتأخونين، على تقديم بعض الروايات، والأحاديث الظنية، بعد لي أعناق دلالاتها، على هذا النص الواضح الصريح، ومُحكم الدلالة، فضلا عن أن يَفتئتوا على الحي القيوم، فيُلحقون قتل النفس بالجهاد؟
تفشي هذا الفعل المحرم بين حركات الإسلام المُسيس، وكأنه بمثابة المعلوم من الدين بالضرورة، تتطلب من عقلاء فقهاء المسلمين المعاصرين، وقفة صادقة وصارمة لكبح هذه الانحرافات، والعمل بكل قوة، على محاربة هذه الفتاوى المفبركة وغير المؤصلة والمخالفة لنص القرآن مخالفة لا يتجاوزها إلا فقيه في قلبه مرض وحقد، ويُغير الكلم عن مواضعه. فلو قام فقهاء المملكة، بالمبادرة وتحقيق هذه الغاية، والتنسيق مع الأزهر، وبقية المراجع الفقهية، وأعطوا ولاة أمور المسلمين، في كل أنحاء العالم الإسلامي، الحق في تتبع ومعاقبة وردع كل من يبيح العمليات الانتحارية، فلن نُكتّف داعش والقاعدة فحسب، بل سنحمي الدين الحنيف من تلاعب العابثين به؛ فالوعظ وكذلك الشجب والتنديد بالإرهاب وإدانته، لم يحقق المراد منه، فلا حل إلا التصدي للأساس الفقهي الذي يتكئ عليه المتأسلمون المسيسون، ونحاربهم من خلال تجريمهم وملاحقتهم.
إلى اللقاء.