رقية الهويريني
برغم أنّ التشريع الإسلامي يحرِّم قتل الغيلة مطلقاً للمسلم وغيره، لدرجة عدم التنازل أو العفو لعظم الذنب؛ إلاّ أنّ الإرهابيين اللذين فجرا نفسيهما داخل مسجد علي بن أبي طالب في القديح وقرب مسجد العنود في الدمام لم يأبها لذلك، وذهب ضحية تصرفهما خمس وعشرون نفساً بريئة، عدا عن المصابين وترويع الآمنين.
لا يستطيع فكر أي أحد أن يتخيل دوافع هذين النافقين! ولن يتصور مدى بواعثهما إذا تم احتسابهما ضمن زمرة الإنسانية! فحتى الحيوانات المفترسة لديها أسباب نفعية عندما تُقدم على قتل حيوانات مثلها. لذا يقف العقل حائراً وغير مصدق لما يحدث! وهو ما يتطلب دراسة مستفيضة وتحليلاً دقيقاً لمعرفة ما يفكر به أولئك الشذاذ. ومهما يكن فنحن لا نعدو كوننا منظّرين وشاجبين، بيْد أن وضع الثكالى والمصابين يحتاج عناية خاصة، كما تتطلب القضية حلولاً عملية على أرض الواقع بعيداً عن التنظير!
وما يحز في النفس، أنه منذ حادثة (إسكان المحيا) بالرياض الشبيهة بهاتين الفاجعتين، لم نجد أي بارقة من الحلول العملية الواقعية، بل إنّ الأفكار التخريبية قد تجاوزت حدودها لدرجة القتل على المذهبية وهو أمر لم يكن سائداً آنذاك! بما يعني أن الوضع يسوء، والإرهابيون تقوى شوكتهم لدرجة التغلغل بين أوساط الشباب والأطفال واستقطابهم! حيث ظهر من بيان وزارة الداخلية وجود ثلاثة أطفال بعمر الخامسة عشرة، بما يشير إلى أنّ أعمارهم لم تكن تتعدى ثلاث سنوات إبان حادثة المحيا وهو ما يسترعي الانتباه. ويعني أيضاً ألا ثمة بوادر تصحيح في الفكر الضال أو تطهير لذلك الفكر الملوث!
وحيثما كتبنا فثم تشخيص وعلاج، وهو ما ينبغي الصدع به صيانة للوطن وحفاظاً على مواطنيه، فطالما تخلّت الأسرة والمدرسة عن دورهما التربوي، فإنّ هناك من سينشط - بأسلوبٍ دنسٍ ونجس - للقيام بالدور التربوي والتعليمي والتعبوي!
وحينما يغلب الخطاب التعبوي ويستشري بفوضوية ويجد البيئة المناسبة له؛ فإننا قد نرى أكثر من تفجير طالما بعض المنابر الدعوية تصدح ببث الكراهية وتفخيخ العقول!
وعندما يسود الشكل الحالي للتعليم بهذه الصورة المتناقضة فإننا لاشك سنعاني كثيراً! حيث لازال كتاب التوحيد يحرّم تصوير ذوات الأرواح، وتعمد كتب التاريخ التعليمية لتحسين فكرة القتل والإثخان في الأعداء، ولازال معلم المرحلة الابتدائية يأمر طلبته بطمس صور الفتيات في المنهج تأصيلاً للدونية!
والحق أنني لا أملك إلاّ أن أعزِّي أهل القديح في مصابهم، وأهل الدمام في فجيعتهم، وأخص زميلتي الحبيبة الشجاعة كوثر الأربش التي فقدت ابنها وابني شقيقتها، وأدعو الله أن يربط على قلبها ويرحمهم ويبدلهم داراً خيراً من هذه الدار.
وهو مصابنا كلنا وجرح الوطن الذي لن يندمل إلاّ بالحلول العملية والتدابير الاحترازية والكف عن التكفير، ونبذ الطائفية وتجريمها.