أحمد بن عبدالرحمن الجبير
يحاول البعض دون دراية او معرفة اقتصادية، اثارة الهواجس حول السحب من الاحتياطي، وهذه الاثارة ليست مبنية على معلومات دقيقة، واحيانا تنم عن جهل مما يجري، فبلادنا ولله الحمد تشهد حالة استقرار اقتصادي منذ سنوات حتى في سنوات الضياع العربي، وكانت الدولة - اعزها الله - تحتاط دائما للمفاجآت والازمات، وتفرض شروطا على الاموال والبنوك لتلافي أي مخاطرات غير محسوبة، ولدينا تجربة الازمة المالية العالمية 2008م شاهد حقيقي على نجاعة السياسات المالية للمملكة.
وعليه نقول إن السحب من الاحتياطي لا يقلقنا، فنحن بلد له مكانته الاقتصادية العالمية، ولديه قدرة على استيعاب المتغيرات، وإمكانية كبيرة لتحمل الأزمات، وخاصة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها أسعار النفط بالهبوط، وركود الاقتصاد العالمي، فعالم اليوم متشابك اقتصاديا ومعلوماتيا وأمنيا، وبالتالي نحن نؤثر ونتأثر بهذا العالم.
عالم اليوم مضطرب وبخاصة منطقة الشرق الاوسط، وفي الأوقات الاضطرارية والحرجة تطرأ تعديلات على الخطط المالية، والاقتصادية لتجاوز الأزمات العابرة وغير المقلقة، فالقدرة الاقتصادية للمملكة تؤهلها لتعديل سياساتها المالية، والاستثمارية بنجاح دون حدوث تأثير أو تداعيات، وكل التوقعات تشير إلى أن النفط سيرتفع خلال الاشهر القادمة.
قرار الدولة – اعزها الله - باستمرار الصرف على المشاريع العامة تأكيد على سلامة الاقتصاد الوطني والبنية التحتية، فالمتوقع ان المملكة ستواصل تنفيذ مشاريع التنمية لثلاث وخمس سنوات قادمة، وكان لها القدرة على تحمل هبوط أسعار النفط خلال الفترة الماضية والقادمة، وتعويض عجز الميزانية البالغ 145 مليار ريال من الاحتياطي العام، أو الاقتراض من البنوك المحلية، أو عبر إصدار سندات حكومية.
الأوامر الملكية والتي تقدر بحوالي 110 مليارات ريال من اجل خدمة ورفاهية المواطن، والتي أمر بها الملك سلمان - حفظه الله – بعد توليه مقاليد الحكم، وايضا الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية الوطنية، وتراجع أسعار النفط، جعلت الدولة تسحب 184 مليار ريال من الاحتياطي العام خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، ليتراجع الاحتياطي الى720 مليار ريال بنهاية أبريل الماضي مقارنة بـمبلغ 904 مليار ريال نهاية العام الماضي بنسبة تراجع تقدر 20%.
الاحتياطي العام هو ودائع وجاري حكومي، ومخصصات لمشاريع، وقد تراجع الاحتياطي بنسبة 20% في مارس 2015م وايضا مخصصات المشاريع انخفضت بنسبة 20% منذ بداية العام لتبلغ 365 مليار ريال أبريل 2015م مقابل نحو 455 مليار ريال ديسمبر 2014م وتم صرف ثلاثة أرباع الميزانية على مشاريع خدمة ورفاهية المواطن، وتخصيص ربع الميزانية للتعليم مما يؤكد اهتمام الدولة - اعزها الله - بالاستثمار في المواطن السعودي الذي هو جوهر التنمية في بلادنا.
العجز في الميزانية أمر متوقع تعاملت معه المملكة بحكمة كما فعلت في الاعوام السابقة، لذا يفترض الاستثمار في الاحتياطي العام لتعويض التناقص والعجز في الميزانية، ويفترض السحب من الاحتياطي بضوابط خلال السنوات القادمة، حيث أن الاستثمار في الاحتياطي والسحب منه بنسب قليلة سنوية سيحميه من التناقص، ويسهم في تعويض العجز فيه، وسيكون له فوائد إيجابية، ومردود اقتصادي كبير، ومرونة للدخول في استثمارات طويلة المدى تعود بفوائد مالية ضخمة على بلادنا.
في كل دول العالم المتقدم هناك مؤسسات للدراسات، تقرا الاحتياجات المالية والاقتصادية للأعوام القادمة، وتضع الحلول والرؤى المستقبلية، هذه التنبؤات، والتوقعات قد تكون ضمن تصور استراتيجي وطني مفيد لتأسيس (صندوق سيادي للاستثمار في المشاريع المحلية) كما تفعل الدول الأخرى، ولعل اقتصاد اليابان وكوريا الجنوبية حري بالاتباع في ظل إمكاناتنا المالية الضخمة، ونتمنى من المشرفين على اقتصادنا التوقف عند هذه النجاحات العالمية للاستفادة منها.
لذا يفترض دعم الدراسات والبحوث الاقتصادية، التي تؤدي إلى تنوع الاقتصاد السعودي، ودعمه بدماء جديدة، وكفاءات وطنية مؤهلة في التخطيط المالي والاقتصادي، واستقطاب الكفاءات الوطنية لإدارة اقتصادنا والتأسيس للمستقبل، ويجب ألا يظل اقتصادنا أحادي الجانب بقدر ضرورة التفكير بالمشروعات الاقتصادية المتنوعة والعملاقة، نتمنى استثمار احتياطنا في تأسيس شركات وطنية عملاقة في قطاع الاستثمار الصناعي، والتشييد والإسكان، والصحة والتعليم والنقل، والطاقة والتقنية، ويكون نقطة تحول في تنويع الاقتصاد السعودي، وتعزيز احتياطنا المالي.