د. محمد عبدالله الخازم
وصلني تعقيبات على مقالي «دعم القطاعات العسكرية والتعليمية للصحة» والذي نشر بتاريخ 22 ابريل 2015م وفيه دعوت إلى زيادة مساهمات القطاعات العسكرية والتعليمية الجامعية في تقديم الخدمات الصحية عبر إكمال مشاريعهم وتطوير القائم منها في كافة المناطق. جاءت دعوتي تلك بناء على الواقع الذي نشهد فيه عدم قدرة وزارة الصحة على الوفاء بالاحتياج وعدم قدرتها على إكمال مشاريعها وإدارتها في الوقت الذي تعد به وبالكفاءة التي تعدنا بها.
أهم ملاحظة هي قلق العديد من المهتمين من زيادة تعقيد النظام الصحي، بل أن البعض يرى أن تعدد القطاعات الصحية يعتبر أحد مسببات تدني الخدمات الصحية على المستوى الوطني، كونها قادت إلى المنافسة في بقعة محدودة وقادت إلى التنافس على الكوادر الوطنية وسحب المتميز منها من القطاع الحكومي الرسمي وزارة الصحة إلى القطاعات الأخرى، وقادت كما يرى آخرون إلى هدر في الموارد الصحية على المستوى الوطني..
تعدد القطاعات الصحية الحكومية المقدمة للخدمة له سلبيات وإيجابيات، وقد نقدنا ولا زلنا السلبيات التي تسبب فيها هذا التعدد الذي ينقصه التنسيق المطلوب. لكن الفكرة المثالية التي نطالب فيها بإشراف وزارة الصحة على جميع الخدمات الصحية، أصبحت شبه فكرة طوباوية لا يخدم تطبيقها الواقع. وانتظار وزارة الصحة للقيام بمهامها في المستقبل القريب، لم يعد منطقياً، حيث أصبحت هذه الوزارة مريضة بحاجة إلى وقت ليس بالقصير لعلاج عللها قبل أن نطالبها بالإشراف على قطاعات تجاوزتها فنياً وتقنياً. نعم القطاعات العسكرية مهامها أمنية وعسكرية لكن تاريخنا التنموي يشهد بأن لها إسهامات تنموية لا تنكر في المجال الصحي والسكني والاجتماعي. بل إن المدن التي حظيت بقواعد عسكرية سبقت الأخرى في التنمية ولعل خميس مشيط وتبوك خير شاهدين على ذلك. وفي كثير من الدول عند الحاجة تتحول القطاعات العسكرية إلى مساهم في شق الطرق والبناء والصناعة. ما أريد قوله هنا، أن الأمر الصحي أصبح قضية وطنية وليس قضية وزارة الصحة، وعلينا البحث عن حلول قابلة للتطبيق، حتى ولو لم تكن شائعة، كزيادة حجم مساهمة القطاعات المختلفة في تقديم الخدمات الصحية. الواقعية تسبق المثالية هنا.
الإيجابيات ستكون كبيرة بزيادة حجم مقدمي الخدمات الصحية، لأن أحد مشاكلنا سببها نقص الخدمات والتنافس على المتاح القليل منها. لو زاد المعروض لتنازلت حتى القطاعات العسكرية والتخصصية عن بعض قناعاتها وساهمت في شمول أخرين بخدماتها، لأنها تكون تخلصت من بعض الضغوط الحالية عليها بوجود مساندة لها في كافة المناطق. وحتى لا أسهب هنا أشير إلى مقترحي السابق (نشر بتاريخ 22 مارس 2015م) حول تأسيس هيئة تنظيم الخدمات الصحية، المعنية بوضع التنظيمات المناسبة لتحقيق التكامل بين القطاعات الصحية وتوزيع الموارد وتنقل الكوادر وغير ذلك من الأسس التنظيمية المنشودة في هذا الشأن. مستويات التكامل بين القطاعات الصحية سيكون موضوع لمقال آخر.
مرة أخرى نرجو أن يتولى مجلس الشؤون الإقتصادية والتنموية تبني مثل هذه المبادرة بصفته مظلة عليا تجمع كافة القطاعات الحكومية ذات العلاقة. نريد أن نرى خطة واضحة لحجم مساهمة كل قطاع في الخدمات الصحية مرتبطة بجدول زمني للتنفيذ. لقد ساهمت بعض القطاعات في الخدمات الصحية بشكل انتقائي ولم تخضع للمحاسبة لأننا دائماً ما نضع اللوم على وزارة الصحة، لذلك حان الأوان لأن يشارك الآخرون في المسؤولية تجاه إنقاذ القطاع الصحي من أوجاعه المزمنة وأهمها توفير الحجم المناسب من الخدمات الصحية، على أمل أن يصاحب ذلك تطوير نوعي للخدمات الصحية في كافة القطاعات، وكذلك إصلاح إداري داخلي لوزارة الصحة.