د. أحمد الفراج
لعل من أكثر الأشياء إيلاما هو أن يسقط النجم من علو، خصوصاً إذا حدث ذلك في سنوات العمر الأخيرة، وهذا في تقديري ما حدث للممثل، والمخرج العالمي، كلينت ايستوود، بطل الأفلام الحربية الشهير، الذي قام بإخراج فيلم «القناص الأمريكي»، في عام 2014، وهو الفيلم الذي فاز بست جوائز في حفل الأوسكار الأخير، وهذا رقم لا يبلغه إلا أفلام محدودة، كما لاقى رواجاً كبيراً داخل الولايات المتحدة، وحول العالم، وكانت إيراداته عالية جداً، والفيلم يحاكي قصة حقيقية للجندي القناص، كريس كايل، الذي ألف كتابا عن تجربته في حرب احتلال العراق، بمساعدة من الكاتب، سكوت مكيون، وقد قام ببطولة الفيلم، الممثل برادلي كوبر، الذي فاز بجائزة أفضل ممثل، عن دوره في الفيلم، إذ مثل شخصية القناص في الجيش الأمريكي، كريس كايل.
القناص، كريس كايل يقول إنه قتل أكثر من مائتين وخمسة وخمسين عراقياً، منهم نساء وأطفال، وقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنه قتل مائة وستين فقط!!، وكان متخصصا في القنص من أعلى البنايات، إذ يتصيد ضحاياه، وهم من العراقيين الذين يقاومون الاحتلال الأمريكي، وقد حارب في العراق لمدة طويلة، على أربع فترات، رغم إلحاح زوجته عليه بعدم العودة، إلا أنه يصر على العودة في كل مرة، وليس غريبا أن يحصل الفيلم على كل هذا النجاح، فالثقافة الأمريكية قائمة على الفخر بالقوة، حتى ولو كان ذلك على حساب الأبرياء، ولعلكم تذكرون سلسلة أفلام «روكي» للممثل، سلفيستر ستالون، الذي كان نكرة، لا يملك شيئاً من الموهبة، ولكن قيامه بدور البطل الأمريكي الذي لا يقهر في سلسلة «روكي» صنعت منه بطلاً قومياً حتى اليوم.
فيلم «القناص الأمريكي» يقدم العراقيين على أنهم وحوش بشرية!!، ويعيد تكريس صورة العربي والمسلم لدى الغرب، أي الإنسان المتخلف والدموي، وهو الأمر الذي يبرر قتلهم، ويجعل من يفعل ذلك بطلا قوميا، كما حدث مع القناص في الفيلم، وأراه مؤلما أن ينزلق الممثل والمخرج، كلينت ايستوود إلى هذه المستويات المتدنية، فقد اشتهر عنه أنه صاحب مبادئ، ومتسامح مع الأقليات، والأجانب. هذا، ولكنه تغير في السنوات الأخيرة، إذ سبق وأن ألقى كلمة في مؤتمر الحزب الجمهوري، أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية، وهاجم الرئيس باراك أوباما بقوة، وقيل حينها إنه فعل ذلك من منطلقات عنصرية بحتة، ثم جاء إخراجه لهذا الفيلم ليكرس اتهامه بالعنصرية، فهل لتقدمه في السن دور في ذلك، أم أنه كان يستخدم «التقية» فيما مضى؟!، وهذا ما لا نستطيع الإجابة عليه، ولكن المؤكد أنه خسر كثيراً من سمعته، خلال السنوات الأخيرة، كما كان موقف السيدة الأولى، ميشيل أوباما غريبا، فقد أشادت بالفيلم!!، ولئن كنا لا نستغرب إشادة شخصية سياسية من شاكلة الجمهورية، سارة بالين، المرشحة لمنصب نائب الرئيس، في انتخابات عام 2008، فإن إشادة زوجة الرئيس أوباما بالفيلم لاقت استهجاناً، فهل يا ترى تغير المخرج كلينت ايستوود لوحده، أم تغيرت أمريكا كلها، في موقفها من العرب والمسلمين، وهل لجرائم تنظيم داعش دور في ذلك؟!