د. أحمد الفراج
في الديمقراطيات الغربية، يكون الحزب السياسي الخاسر رقيبا على أداء الحزب الفائز، ثم تتحول المعادلة تلقائيا، وبالتالي يضع الحاكم في مخيلته أنه تحت الرقابة، ولا يبالي، لأنه سيصبح، هو وحزبه، رقيبا على الحزب الفائز في قادم الزمن، وهذا هو أحد أسباب استمرار العملية الديمقراطية، ولعل التقليد العريق لمباركة المرشح الخاسر لنظيره الفائز في الديمقراطية الأمريكية خير مثال على ذلك، إِذْ يتراشق المرشحون، ويتبادلون الاتهامات، وينشرون غسيل بعضهم البعض على الملأ، من خلال التصريحات، والدعايات المدفوعة الثمن. هذا، ولكن ما أن يقول الناخب كلمته، حتى ينتهي الأمر، وتبدأ المجاملات الدبلوماسية، بل والعمل المشترك، أحيانا، وذلك على عكس الديمقراطيات الناشئة في عوالمنا العربية والإسلامية، التي صار من مظاهرها مشاهد المضاربات، وتبادل اللكمات، أثناء النقاشات البرلمانية!.
كتبنا كثيرا، وقلنا إن «الوعي» شرط ضرورة لممارسة الديمقراطية، ولا أجد حرجا في أن أعيد ذلك، وأكرره، خصوصا بعد تجربة «التثوير العربي»، ونتائجها الوخيمة، ويستفزني بعض المثقفين، ممن ينادي بالديمقراطية، ويزعم أن البناء الديمقراطي سيصلح نفسه بنفسه، مع مرور الزمن، وهذا ادعاء مثالي، فالمقولة صحيحة من حيث المبدأ، وفي حال كان هناك وعي كاف لدى الناخب، أما في حال انعدام الوعي، فسينتخب المواطن ابن قبيلته، أو من يتنسك بأيدولوجيته، أو حتى من يدفع له أكثر، كما هو الحال في الديمقراطيات المشوهة، وبعضها قريب منا، ونتابع مسرحياتها الهزلية على الدوام، ونتمنى ألا تصل إلينا هذه الممارسات «المتدمقرطة»، التي تقود حتما للكارثة.
الغريب في الأمر هو أن هناك من يدعو إلى الممارسة الديمقراطية، ويشجعها لدى الآخرين، من خلال أمواله، ووسائل إعلامه المشبوهة، مع أنه يمنع أي ممارسة ديمقراطية داخل حدود بلاده!!، بل ويعاقب من تسول له نفسه بالمطالبة بالديمقراطية من مواطنيه، ويسجنهم على الظن، وعلى أتفه الأسباب، واقلها شأنا، وهناك من وصل من خلال صناديق الاقتراع الديمقراطية، وتمسكن، حتى تمكن، ثم بدأ يمارس أعتى أشكال الديكتاتورية مع مواطنيه، الذين أوصلوه إلى كرسي الحكم!!، ولا يظن أحد أنه سيغادر كرسي الحكم، فالديمقراطية هي وسيلة، وليست غاية، وعلى أي حال، فإنه لا يحسن الوثوق بالحاكم «الأداة»، أي الذي لا يملك من أمره شيئا، فمثل هذا ينفذ أجندات لا يستطيع التخلي عنها، وإلا فقد هو كرسي الحكم الذي يجلس عليه، وبالمثل، لا يحسن الوثوق بالحاكم المؤدلج، خصوصا من يستخدم الدين لأغراض سياسية، لأن مثل هذا لا يؤمن بالديمقراطية أصلا، بل بالتمكين، والبقاء إلى الأبد، وتحقيق الأحلام الجامحة، وفي الأخير، يجب علينا أن نعمل على نشر الوعي، وتنشيط الحراك الفكري، قبل أن نفكر في ممارسة الديمقراطية، لأن الحراك الديمقراطي دون وعي هو «التدمير» بعينه!.