عبدالعزيز السماري
مما لاشك أن تجربة داعش وضعت الإسلام السني السياسي في موقف لا يحسد عليه، والدليل ظاهرة الصمت المطبق لدي الكثير من رموز الإسلام السياسي، والذي أختاروا عدم التعليق على الأحداث، وترك الأمة تصارع محنة إستباحة الدماء والقتل الجماعي التي تمارسها داعش ببشاعة ووحشية.
سبق أن وصفت ما يحدث بالقراءة الدموية للإسلام، والتي ترى في إشاعة القتل الطريق الأمثل لإقامة دولة الخلافة الراشده، ولفت نظري في هذا السياق خلافاً حدث ما بين بعض المحدثين حول حديث الرايات السود، والذي يمجد أصحاب الرايات ويشرع لظاهرة القتل في العرب من قبل أهل المشرق، كما فهمت من نصه (يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم).
كان الخلاف حول صحة الحديث، فقد ضعفه الألباني، بينما يدافع بعض محدثي التيار السلفي التقليدي والجهادي عن صحته، وأنه يمثل الوعد المنتظر من الله عز وجل لإقامة دولة الخلافه، وقد يفسر قبول صحة الحديث عند البعض ظاهرة السكوت من قبل رموز الإسلام السياسي عن القتل الوحشي التي تمارسه تيارات الإسلام السلفي الجهادي في العرب، والخطورة في ذلك أن القتل الوحشي للعرب المسلمين أصبح شريعة الله في أرضه، ويمثل ثمن الدخول في زمن المهدي المنتظر، والذي سيبدأ بإراقة الدماء والقتل في العرب من أجل الوصول إلى الوعد الإلهي حسب فهم النص.
يأتي في سياق هذا الحديث (فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي)، وفي أحاديث أخرى تدعو لوجوب مبايعة المهدي المنتظر القادم من بين صفوف الرايات السود من خراسان، ويغذي ذلك أن الدين الإسلامي يحمل في أخباره الوعد الإلهي بدولة النبوة والرشد في مستقبل الأمة، لذلك تعيش عامة المسلمين السنة كافة في حالة إيمان وانتظار للوعد النبوي القادم من الشرق غير العربي، ويقف خلف ذلك ازدواجية الولاء بين المسلمين، أحدهما ولاء مؤقت للأمر الواقع، والآخر ولاء أبدي للوعد المنتظر في خلافة راشدة.
يستخدم الشيعة الأثنا عشرية أيضاً مصطلح الرايات السود القادمة من الشرق: (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم. فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا. ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم (أي المهدي المنتظر)، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)، وتمثل عودة المهدي المنتظر عند الشيعة ظاهرة الانتقام من التاريخ العربي السني، وإعادة الحق لآل البيت.
المفارقة أن أصحاب الرايات السود عند السنة هم أهل خراسان أي إفغانستان، وبينما تكون إيران الفارسية أصحاب الرايات السود عند الشيعة، ويبدو أن العرب في الحالتين هما الضحايا الذين سيكون مآلهم القتل الوحشي من قبل أهل المشرق، من أجل إقامة دولة الخلافة عن السنة، ودولة المهدي المنتظر عند الشيعة، ولم أجد تفسيراً تاريخياً للتوافق الغريب بين الروايتين في أن العرب سيكونون «المقتول»، بينما يكون «القاتل» من خراسان أو إيران، وربما يختفي خلف ذلك ظاهرة انتقامية شرقية من تاريخ العرب في القرون الأولى.
تستحق هذه القراءة المناوءة للعرب في السياق السني والشيعي التأمل والإطلاع من قبل المختصين في ظاهرة الإسلام السياسي، وقبل ذلك تستحق إعادة النظر في تدريسها للأجيال، فالواضح أولاً أنها غير صحيحة حسب الألباني، وثانياً تدخل في باب الأخبار الظنية التي لا تدخل في القطعي الثابت، مما يعني عدم الأخذ بها إذا كانت تخالف القطعي الصريح، وثالثاً أن فيها دعوة صريحة لقتل العرب من أهل خراسان والفرس.
المشكل الحقيقي الذي نواجهه أن المسلمين العرب سنة وشيعة مؤدلجون حتى النخاع بمختلف أطيافهم وألوانهم وعوامهم ونخبهم بهذه القراءه الدموية والمناوءة لجنسهم، والتي تنذر بجواز قتلهم وتصفيتهم من أجل وصول أصحاب الرايات السود سواء كانوا من أهل خراسان عند السنة أو الإيرانيون الفرس عند الشيعة إلى هدف السيطرة على أراضي العرب.
يساهم في ذلك غياب علماء دين عرب مدركين لتلك الأزمة العنصرية في بعض النقل غير الصحيح، وأسثني الألباني غير العربي، والذي ضعف من حديث الرايات السود، لعل وعسى أن ينقذ تضعيفه للحديث رقاب العرب من سواطير أهل المشرق... والله على ما أقول شهيد.