طراد بن سعيد العمري
تعيين المهندس محمد الماضي رئيساً للمؤسسة العامة للصناعات العسكرية، قرار جميل وجريء وجدير بالتأمل. القرار أبعد وأعمق من قرار نقل أو تعيين كفاءات وطنية، خصوصاً إذا ما تم مع بداية تسلم سمو الأمير محمد بن سلمان مسؤولية وزارة الدفاع السعودية.
هذا الأمير الشاب الصارم الذي تمرّس وتعلم على يد أبيه الملك سلمان منذ زمن، واكتسب سمات تؤهله على الرغم من حداثة سنه لكي يكون القائد العام للقوات العسكرية - بالمناسبة العرف الدولي يقضي بأن وزير الدفاع هو القائد العام، والملك أو الرئيس هو القائد الأعلى - ، ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن وزارة الدفاع تحديداً تزدهر وتتطور مع الوزراء من الشباب. فقد مرت وزارة الدفاع السعودية بثلاث مراحل: الأولى، مرحلة التأسيس وقادها الأمير منصور بن عبد العزيز وكان شاباً متحمساً وعاشقاً للعسكرية ولم يتجاوز عمره الثلاثين عاماً. الثانية، مرحلة التطوير، وقاد تلك المرحلة الأمير سلطان بن عبد العزيز وكان حينها شاباً في الثلاثين من عمره، تعلم الأصول العسكرية والمفهوم العسكري من خلال الممارسة حتى بات - رحمه الله - أكثر قدرة وتمكّناً من العسكريين أنفسهم. الثالثة، مرحلة التقدم، ويقودها الأمير محمد بن سلمان الشاب الصارم الذي ظهرت ملامح حصافته في أكثر من ممارسة، ونجزم بأن قرار تطوير وتحديث مؤسسة الصناعات العسكرية ليس إلا جزءاً من استراتيجية جديدة لتحديث وتطوير وزارة الدفاع السعودية.
تعتبر المؤسسة العامة للصناعات العسكرية أقدم مؤسسة عسكرية في السعودية، ومن أقدم المصانع بشكل عام، إِذْ تأسست في العام 1949م بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد مرت بمجموعة من التحديثات، لكننا نجزم، أنها ستشهد في المستقبل القريب نقلة نوعية في مفهوم الصناعات العسكرية، لأن الأكيد أن التركيز على الصناعات العسكرية يأتي كجزء من خطة دفاعية جديدة تعمل السعودية على تطويرها بما يتفق وكثير من المستجدات السياسية والعسكرية والفنية والتقنية من خلال ثلاثة مفاهيم: المفهوم الأول: ما يسمى «مراجعة الاستراتيجية الدفاعية» (Strategic Defence Review) وهو تقليد تتبعه الدول المتقدمة كل أربع إلى خمس سنوات، ويتطلب ذلك تنسيقا عاليا وتناغماً مع الاستراتيجية السياسية العامة للدولة. المفهوم الثاني، العلاقات العسكرية / المدنية (Civil /Military Relations). وهو إدارة هذا المرفق العسكري ومرافق أخرى من قبل كفاءات مدنية وتطبيق سبل الإدارة الحديثة كما هي في شركات ومنشآت القطاع الخاص. أما المفهوم الثالث فهو الثورة في الشؤون العسكرية (Revolution in Military Affairs)، وهذا المفهوم عبارة عن فرضيات نظرية للحروب المستقبلية مرتبط بالتطور التقني والتنظيم المؤسسي، ظهرت أول ملامحه في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، إلا أن الاهتمام به ظهر في أمريكا بعيد حرب الخليج في العام 1991م.
الترابط بين السياسة والحرب وثيق جداً، فالسياسة حرب والحرب سياسة. يقول فان كلاوتزفتز: «الحرب جزء من السياسة الخارجية لكن بوسائل أخرى». لذا فمن الطبيعي أن تتغير سياسة المملكة تبعاً لمجريات الأحداث والتطورات والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية في كافة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية.
التغير في السياسة الخارجية أو وسائلها أمر تفرضه الظروف، لذلك تبرز أهمية مراجعة الاستراتيجية الدفاعية بكل مكوناتها. من ناحية أخرى، يمكن لنا أن نتأمل التغيير الذي حدث في سبعة عناصر رئيسية هي: (1) النظام الدولي؛ (2) الدولة؛ (3) العدو؛ (4) الحرب؛ (5) الآلة؛ (6) الكلفة؛ و(7) الفرد. حجم التغيير في العناصر السبعة الآنفة الذكر هو الذي يؤدي إلى المراجعة والتغيير والتطوير في أهم مؤسسات الدولة الحديثة وهي المؤسسة العسكرية.
يُعدُّ الجيش هو العمود الفقري للدولة الحديثة؛ لأنه يمثل وحدة الشعب وأطيافه وفئاته وهو انعكاس لماهية الدولة. الاهتمام بالجيش ليس بأي حال من الأحوال نزعة إلى العدوانية أو رغبة في القتال بل هو تجسيد صحيح وصادق لفكرة الدولة. ويمكن لأي مراقب أن ينظر إلى بعض دول الربيع العربي التي اضطربت ويضع مقارنة سريعة بين تماسك الجيوش فيها وتماسك الدولة. من ناحية أخرى، تعتبر الصناعات العسكرية رافداً مهما من روافد الأمن والأمان الذاتي وتطوير للمجتمع والاقتصاد والصناعة والتجارة والأبحاث والتقنية والتوظيف للأيدي العاملة الوطنية.
أخيراً، تعيين الأمير محمد بن سلمان، ذلك الشاب الصارم، وزيراً للدفاع هو تأكيد صريح لأهمية قوة الدولة والحفاظ على مكانتها المتنامية وأهمية التناغم بين قوة فكرة الدولة السعودية التي ناضل من أجلها المؤسس «ابن سعود» - رحمه الله - وقوة الجيش السعودي الذي يمثل أهم عناصر الدولة الحديثة.
من ناحية أخرى، تعيين المهندس محمد الماضي كأول مدني يدير دفة مؤسسة الصناعات العسكرية هو قرار جريء وحكيم سينتج عنه، - بإذن الله - تقدم نوعي ينعكس إيجاباً على الوطن. ختاماً، أن يحيط الأمير الوزير الشاب نفسه بكفاءات وطنية متميزة في مجالات مختلفة هو دليل حكمة وقوة وإرادة وإدارة، وهذا ما يدعو إلى التفاؤل والنصر. حفظ الله الوطن.