تعريف مبسط؛ الحكاية: هي وصف حدث أو واقعة ما.
القصة : هي سرد تلك الواقعة، سواء سرد أدبي أو شعبي.
أساس الكتابة هذه، هي عن البناء الدرامي لفلم العائد، كما هو في العنوان، قصة الفلم مستقى من حكاية (هيو غلاس) وهي حكاية شعبية أمريكية.
ولأن أصل القصة هي شعبية، ارتأيت، بل، وفرض عليَّ الموضوع أن أكتب مقدمة طويلة، حول توظيف الحكاية الشعبية بأثر روائي أو سينمائي.
حينما يعثر كاتب السيناريو أو الرواية، على حكاية أو قصة من التراث الشعبي، وقد أعجبته، وتكون مثيرة أو ملهمة للقاري أو المشاهد، فهو لا يعنيه، هل هذه القصة أو الحكاية، وقعت فعلاً في التاريخ أو أنها مجرد أساطير وحكاية شعبية، نسجها الخيال الشعبي في هذه البيئة الاجتماعية أو تلك؟.
فأنا ككاتب سيناريو أو كاتب رواية، لا يهمني مثلاً، هل الأسطورة الشعبية التي ترويها جداتنا عن «السعلوة» التي تخطف الأطفال، هل هي حقيقة أم من نسج الخيال الشعبي؟.
ما يهمني ككاتب في المقام الأول هو: كيف «أبنيها بناءً درامياً مقنعاً ومحكماً وممتعاً للمشاهد أو للقارئ.
فالتركيز يكون، على الحكاية الشعبية التي اخترتها، على أنها هي مشروع كتابتي، ولا يهمني هل حدثت في الواقع أو لم تحدث، ما يهم هو كيف أجسد الحكاية الشعبية في نص.
وهل الحدث الرئيسي قوي ومقنع ومثير، بحيث أركز عليه، وأطوره، وأدفع به إلى الأمام، أو أخلق/أبتكر حدثاً بديلاً، يكون أقوى من حدث الحكاية الأساسي، وأجعل من حدث الحكاية الأساسي بداية تمهيداً للحدث الذي أنا خلقته أو ابتكرته.
في بعض الأحيان، يركز الكتاب، على «الحدث» أكثر من تركيزهم على الشخصية، خصوصاً إذا كان الحدث كارثة طبيعية، مثل جوائحة الأوبئة والزلازل والفيضانات والأمطار... فيكون التركيز مكثفاً على الحدث.
وإذا كان التركيز على الشخصية، حيث البطولات والمغامرات أو الرومنسية فيكون التركيز على الشخصية أكثر.
على أن الغالب الأعم، في كتابة النصوص، الروائية والسيناريو، هو الربط العضوي ما، بين الحدث الرئيسي وما بين البطل، وارتباط باقي الشخصيات بالحدث الرئيسي، وهذا ضمن الحبكة كما تعلمون.
الشخصيات الدرامية، وفي كل الأجناس الأدبية: مسرح، سينما، رواية. لها كينونتها الاعتبارية، بحيث إننا، ككتاب، لا نطوعها لأهوائنا الشخصية؛ هذا لا يعني أن ندع الشخصية، تفلت من أيدينا، وتكون سائحة في المدى الدرامي والروائي، بل نحدد، ونشاهد مسارها، في السرد أو في المشاهد.
هناك بعض الحكايات الشعبية تتناول «حدثاً» حقيقياً، وقع في التاريخ، بل يوجد حكايات شعبية تروى عن أحداث حقيقية وقعت.
على سبيل المثال، ما يرونه أهلنا عن آبائهم وأجدادهم، عن : سنة الغرقة، وسنة الهدام، وسنة الجوع وسنة « السخونة، أو سنة الرحمة» «التي هي إنفلونزا الإسبانية، التي وقعت تقريباً في عام 1918م.
فالحكايات المستمدة من حدث تاريخي، بالأخص كوارث طبيعية، عادة ما تتسم بثبات الحدث الأساسي، على الرغم من تفاوت النقل والرواية، في أحقاب زمنية مختلفة, فلا يتأثر لو حذف منها تفصيل ما، أو أضيف إليها تفصيل آخر، ليس من أصل الحكاية أصلاً، فيبقى الحدث الرئيسي محافظ على نفسه أو بنيته.
أما القصص التي تتحدّث عن البطولات والمكارم والحب..إلخ. فالمخيال الشعبي للمجتمع، يحذف ويضيف إليها، قيمه الأخلاقية والدينية الآنية في زمن سردها للمستمعين.
الروائي أو السينارست، إذا حول حكاية، مستمدة من حدث وقع في التاريخ فعلاً، إلى رواية أو سيناريو، تكون الكتابة عنه، أكثر سلاسة ومرونة، من تحويل حكاية عن الشخصيات وقصصهم الرومنسية وبطولاتهم ومغامراتهم، وما اعترضهم من أحداث وما وقعوا فيه من مشكلات في حياتهم.
فعني أنا شخصياً؛ إذا استمديت (حولت/ تحويل ) حكاية شعبية، إلى سيناريو تتحدث عن كارثة طبيعية، خصوصاً « اذا لم «ترتبط بشخصية محددة، تتيح لي حرية الاختيار، في خلق وابتكار شخصيات الحدث، أرسمها أنا بدقة، بما يتوافق مع الكارثة أو الجائحة؛ ما يعني أني أبني شخصيات وأسراً، ومجتمعاً على حسب ما أرى.
وهذه هي النزعة الإبداعية في أن تخلق شخصيات وأسراً ومجتمعاً، يدورون حول ووسط الجائحة أو الكارثة الإنسانية.
وبطبيعة الحال، لما تمسك قلمك، وتكتب نصك؛ ممكن تتخيل كيف تتعامل تلك الشخصيات والأسر مع هذه الكارثة التي ألمت بهم.
فالكتابة عن كارثة تاريخية، عكس الكتابة عن الشخصيات وبطولاتها، التي يكون الكاتب مرهوناً بشخصياتها، وملزماً بأحداثها ،حتى لو تم إضافة أو ابتكار أحداث وخطوط درامية إضافية وشخصيات جديدة لها، تبقى مقيداً إلى حد كبير بشخصياتها وأحداثها وحيثياتها.
يتعين على كتاب السيناريو والرواية أيضاً، حينما يحولون حكاية إلى نص، أن يتعاملون بذكاء وديناميكية، مع الشخصيات، حتى لو كان دورها بسيطاً جداً في أصل الحكاية.
** **
سليمان البطي - ناقد وكاتب سيناريو*