أ.د.صالح معيض الغامدي
لهذا المصطلح دلالتان ينبغي ألا يُخلط بينهما : فالدلالة الأولي هي: أن النقد السيرذاتي ( أو أحياناً النقد الأدبي السيرذاتي) يشير إلى شكل من أشكال النقد الذي يدمج فيه الناقد بين تجارب حياته ووجهات نظره ورؤاه الشخصية في تحليل العمل الأدبي والثقافي والفكري. ويمكننا هذا المنهج من الوقوف على الكيفية التي تشكل فيها تجارب الناقد الحياتية وخلفيته الشخصية طريقةَ تفسيره للنصوص الأدبية والثقافية وفهمه إياها. وهذا النوع من النقد يرى أن تجارب الناقد الفردية يمكن أن تساهم في إبراز معاني/دلالات العمل الأدبي وأبعاده الجمالية، بطريقة قد تختلف قليلاً أو كثيراً عن أي منهج نقدي موضوعي يوظفه النقاد الآخرون في قراءته. وغالباً ما نرى هذا النقد في سير الأكاديميين أو من يشتغلون بالنقد الأدبي والنظرية والثقافة والفكر عموماً، فهم يركزون في سرد سيرهم الذاتية على سرد تجاربهم البحثية وكيف تطورت فيها أبحاثهم وأطروحاتهم وأفكارهم، كما يفعلون في سرد تجاربهم الحياتية الأخرى. ويمكن التمثيل على ذلك بكتاب بول ريكور «بعد طول تأمل»، وكتاب «الذات بين الوجود والإيجاد» لبنسالم حمّيش، وكتاب «حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية» لعبدالله الغذامي وغيرهم.
أما الدلالة الثانية لمصطلح «النقد السيرذاتي» وأحياناً «النقد السيري» فهي الإشارة إلى منهج تحليلي أدبي وفني يركز على توظيف معطيات الحياة الشخصية للمؤلفين والمبدعين وتجاربهم الحياتية في تحليل أعمالهم الإبداعية ودراستها. ويتضمن هذا المنهج النقدي السيري/ السيرذاتي فحص كيفية تأثير خلفيات شخصيات المبدعين ومعتقداتهم وخبراتهم على أعمالهم. كما يستكشف نقد السيرة الذاتية الروابط التي تربط بين حياة المبدع وإبداعاته الأدبية، وغالباً ما يأخذ هذا النقد في الاعتبار الموضوعات والشخصيات والأحداث التي ترتبط بسياق السيرة الذاتية للمؤلف. ويهدف هذا النقد إلى تقديم نظرة ثاقبة للدوافع والنوايا الكامنة وراء العمل، وكذلك للكيفية التي شكلت من خلالها حياةُ المؤلف الموضوعات والأساليب والمنظورات المقدمة في نصوصه الأدبية والفنية.
وهذا النوع من النقد السيرذاتي الذي يوظف سيرة الأديب وتجاربه الحياتية في تلقي نصوصه الأدبية قديم جداً، عرف في جل الثقافات تقريباً ومنها بطبيعة الحال الثقافة العربية القديمة، التي نجد فيها أن بعض كتب الأدب والنقد كانت كثيراً ما تفسر عمل الشاعر أو الكاتب في ضوء الأخبار التي ترد عن سيرته مشافهة أو كتابة بما في ذلك الأخبار التي تنسب إلى المبدع ذاته، كما نرى ذلك في كتاب «الأغاني» على سبيل المثال. وقد أصبح هذا الضرب من النقد شائعاً في العصر الحديث في فترات معينة سبقت المرحلة البنيوية والدعوة لموت المؤلف وربما تتلوها، ومن أبرز هؤلاء النقاد فرجينيا وولف، وهارولد بلوم، والعقاد، والنويهي، وعز الدين إسماعيل وغيرهم.