من العجائب التى جاءت في سيرة الكاتب الكبير
مصطفى صادق الرافعي أنَّ بدايته كانت بنظم الشعر وفعلًا أستطاع أن يصنع له اسمًا بين شعراء زمانه
ومنهم حافظ إبراهيم وأحمد شوقي ،وعندما طبع حافظ إبراهيم ديوانه، صدَّره بمقدمة رائعة أعجبت النَّقاد، فانبروا يمدحونها في الصحف والمجلات فتحركت غيرة الرافعي وأصدر ديوانه وص دَّره بمقدمة هي
من أعاجيب ما كُتِبَ في العربية روعة وجمالًا وسِحرًا، أخذ قلوب القرَّاء وألبابهم فأكلتْ هذه المقدمة الأخضر واليابس، ونَسِيَ الناس مقدمة حافظ إبراهيم وجمالها!
وأدهشت هذه المقدمة النُّقاد وفتنتهم واحتفلوا بها شهورًا طويلة في الصحف والمجلات والمجالس الأدبية وقالوا عنها: «إنها أعجوبة من أعاجيب الزمان!»وأجمع النُّقاد على هذا ماعدا العلَّامة الأديب الكبير إبراهيم اليازجي أبلغ كاتب في عصره، فقد شكَّك في نسبة هذه الكتابة إلى الرافعي وظن أنه ( لطشها)
من الجاحظ أو ابن قتيبة أو ابن المقفَّع! ؛حتى جاء إليه أديب شاب هو:جورج إبراهيم وقال له يامولانا:
_لقد أهديتك ديوان الرافعي، ولم تكتب عنه شيئًا مع
أنَّ النُّقاد كتبوا عنه واحتفوا بمقدمته!
فقال اليازجي:
_يا بُني إنِّي هذه الأيام مشغولٌ بمُقَدِّمته أبحث عنها في كتب الأدب، لأتبين هل سرقها هذا الشيخ أم لا!
فقال جورج إبراهيم:
_والله يا مولانا لقد كتبها في شقتي وأمام عيني!، وأزيدك من الشعر بيتًا، هذا الذي ظنَنْته شيخًا كبيرًا
هو شابٌ لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره!
فانبهر العلاّمة اليازجي وكتب عن الرافعي مقالةً
قال عنها النُقَّاد: هذه مبايعة اليازجي للرافعي للجلوس
على عرش الأدب!
فترك الرافعي الشعر ،واتجه إلى الكتابة!، ومن أعاجيبه أنه كان شابًا رومانسيًا مُغرِقًا في الرومانسية
وله قصائد وكتابات ألهبت العُشَّاق، فقرَّبه الأدباء والمثقفون، وأعطوه حقه ومكانته، وعاش بينهم سنين طويلة، فلمَّا عرفهم، عن قرب أدرك أن بعضهم يعمل لأجندات خارجية لهدم الإسلام والتشكيك في القرآن!
فأحس بخطورتهم، فأعلن حربه عليهم ،دفاعًا عن القرآن ولغته!، وقامت وقتها،أعظم معركة أدبية عرفها
التاريخ الحديث بينه وبين الكاتب الكبير طه حسين وأتباعه ،وألّ ف وقتها الرافعي كتابه الشهير:» تحت راية القرآن!» وصَدّره برسالة إلى طه حسين:يُسَلِّم عليك المتنبي، ويقول لك:وكم من عائبٍ قولاً صحيحًا
وآفتهُ من الفهم السقيمِ ،ومن العجائب أيضًا أنَّ جامعة القاهرة عندما فتحت كلية اللغة العربية احتاجت إلى
مرجع في تاريخ الأدب العربي، فلم تجد كتابًا مناسبًا
لتدريسه في كليتها وأعلنت عن مسابقة، لتأليف كتاب في هذا المجال، فتقدَّم مجموعة من الأدباء الكبار جدًا
وشاركوا في المسابقة ،هل تعلمون مَن الذي فاز
بها؟،لقد فاز بها الرافعي؛ وهو شاب دون الثلاثين
من عمره، وأصبح كتابه يُدَرَّس في الجامعة! وأقول لكم الآن أعجب هذه العجائب! لقد أصيب الرافعي ، في طفولته بمرض أفقده السمع، ولم يُكمل دراسته في المرحلة الابتدائية بسبب هذا المرض ، وأنَّه تَعَلَّم بنفسه في مكتبة والده التي كانت مليئة بالكتب ،والآن عندنا دكاترة تمتلئ تغريداتهم بالأخطاء الإملائية! ،وفي أساليبهم هشاشة ، وركاكة وأختمُ هذه المقالة
بطرفة جميلة للرافعي -رحمه الله-: أنه لما سافر إلى لبنان ،وعاد إلى القاهرة، قال: بين أضلاعي شيء يريد أن يخرج، فكتب كتابه الرومانسي: «حديث القمر»
** **
- راشد بن محمد الشعلان