د. شاهر النهاري
لا شك أن ثقافات الشعوب تختلف بين منطقة وأخرى، وعصر وعقبه، فبعضها متقدم متواكب مع التطورات الآلية والتقنية والذكاء الاصطناعي، وبعضها يكون بدائياً سحيق البعد عن ذلك، ما يجعل تفسيرات الناس في المناطق المختلفة تتباين، بين رؤية جني، أو عفريت مارد، وصورة أبو رجل مسلوخة، وعند البعض الآخر تتداخل بعض الأساطير بتآلف الخيال، فيدمجون بين أنصاف البشر، وأنصاف الجن، وصولاً إلى منتهى خلاصة التخيل العلمي، الذي يبرز يقينهم على شكل «يو إف أو» أو أجسام طائرة مجهولة، مؤكدين على تواجد الكائنات الفضائية، غير محددة الطبيعة والهوية، وقدرتها، وأنها هي من زرع نبت البشرية، ومن تولى رعايتها وحمايتها فوق بوتقة الأرض.
ولكن هل الأكوان مهيأة لاحتوائها على كائنات طبيعية تقوم بغزو الأرض؟
والجواب على ذلك يظل قاصراً ويحمل عبء الدليل، لقلة ما تعرفه البشرية عن الفضاء، والأجرام السماوية، وعن الكواكب، التي تشابه كوكب الأرض في دورانها حول نجوم تشابه شمسنا، إذاً فلا يمكن الجزم بوجود هذه الكائنات الفضائية من عدمه، وسيبقى ذلك لغزاً كونياً، مهما تفتحت أمامنا من أبواب العلوم، ومهما بلغ تقدم البشرية علمياً، وحتى لو نزلت على أرضنا كائنات فضائية، وتم توثيق ذلك، فهذا لا يعني أننا عرفنا كامل المعلومة، فلربما ينزل علينا بعدها ما هو أكثر قرباً، أو أكثر شروراً، وربما يصفها البعض بالملائكة، أو الشياطين وحسب ثقافات المجتمعات، التي ستستقبلها.
إذاً الحكاية ليست في وجود أو عدم وجود، ولكن في وقوع ذلك، من عدمه، وهذا ما يعاظم مسؤولية الدول، التي تحدث فيها مشاهدات فردية، أو جماعية لمثل هذه الظواهر لدراسة كل ذلك بعمق، والتحقق من نفسيات الشهود، وما يحملونه من دلائل، وصور أو مقاطع تصوير، التقطوا فيها بعض ما يظنون أنها تلك الأجسام الطائرة.
الحالة النفسية لمن يزعمون أنهم شاهدوا مثل تلك الظواهر مهمة جداً، وتحتاج إلى تحقق من خبراء نفسيين، على أن يكون مشهوداً لهم بالخبرة والمصداقية والإخلاص، وعدم الانحياز والرغبة في اختلاق القصص، لمجرد نيل السبق العلمي، أو الشهرة.
أنفس الناس ليست سواء، فالبعض يحكي رؤيتهم لشياطين وجن وملائكة، وحسب معتقداتهم الدينية، والبعض قد يكون في حاجة لقصة تخرجه من عقده النفسية، وعزلته، أو عدم أهميته بين المجتمع، ما يجعله يختلق القصص.
والبعض يكون متأثراً بأدوية ومنبهات يتناولها، أو عدم قدرة على النوم السليم بأحلام وكوابيس، قد تمتد آثارها خارج الليل، ليلتمع بعضها في عز الظهر.
والبعض يعاني من خوف في الظلمة، وربما بتخيلات يخلط فيها بين الواقع الحسي والخيال.
والبعض يكذب عن وعي، لأنه ببساطة يريد أن يشتهر على وهم قصة يحكيها، وربما يجد الميكرفونات والعدسات تفتح له أبواباً من الشهرة، لم يكن ليحصل على بعضها دون كذبة محبوكة، يشرح فيها وجود الأضواء، ونزول المركبة، وخروج من فيها بملابس ملتمعة، وجسد غريب عجيب، وعيون ممطوطة، ورأس مدبب، وأذرع طويلة كالحبال، وتخاطر فكري دون تلامس، أو أن يجد نفسه وسط المركبة، والكائنات الفضائية من حوله، تختبر أجزاء من جسده، وتحقنه بالمجهول، وتعامله بما هو أشنع من ذلك.
الكتب والمجلات، والأفلام التليفزيونية والسينمائية أبدعت في تجسيد الصور المختلفة في العقل البشري، وما على من يرغب في شرح المزيد، إلا تحوير هنا أو هناك، وزيادة أو نقص، وثقة في طريقة سرد الواقعة، بمشاعر شغوفة، كانت تنتظر مثل تلك الفرصة.
هل تقوم بعض الدول المتقدمة بإجراء بعض التجارب العسكرية أو الإشعاعية ما يتسبب في ظهور الأشكال والألوان والصور، أو أنها تظل تتكتم على حكايات حقيقية لوجود تلك الكائنات؟
كل الاحتمالات واردة، فالحروب التقنية والنفسية والعسكرية والجاسوسية تحدث، ومحاولة تضليل الأعداء من أبسط أهداف الشرور التي عرفتها وأجادتها البشرية.
هل يمكن أن تدعي بعض الدول زوراً بحدوث ذلك؟
ولم لا فالحروب النفسية تحتاج لممثلين يعرفون كيف يرمون المعلومة الصغيرة في طريق الدول المنافسة، حتى يشتتونها ويشغلونها، ويغيرون توجهاتها، بل ويكسرون قواها.
والسؤال الأعمق: إذا كانت تلك الكائنات قد حضرت للأرض مرات عديدة، فلا شك أنهم أقوياء، متقدمون في الصناعات والتقنية على البشرية، ولا يوجد لديهم ما يدعو للخوف، وعدم البقاء لأوقات أطول، ومحاولة التفاهم مع السلطات الأرضية، فربما يكونوا مسالمين، وإن كانوا عكس ذلك، فلماذا لا يقومون بسحق البشر في تلك المناطق، التي يختارونها للهبوط؟
والسؤال الأهم: ماذا سيستفيد الإنسان من معرفة وجود هذه الكائنات، فهل ستكفيه خطوات يهرب بها من أسلحتهم، وهل لو عرف بوجودهم سيكون أكثر قدرة على مقاومتهم والفكاك من أيديهم؟
الأمر أكبر وأعقد من ذلك بكثير، ولو صدقنا بوجود مثل هذه الكائنات، فجميع قوات الأرض العسكرية مجتمعة ستظل ضعيفة وعاجزة عن مقاومتهم، حيث أنهم بإمكانياتهم قد قدموا من على بعد ملايين السنوات الضوئية، ما يعني أن قدراتهم التقنية أقوى وأبعد من قدرات البشر لمقاومتهم. وساعتها، فلماذا تكتشف دولة عظمى وجودهم وتخفي ذلك، وهي تعرف أنها في حاجة ماسة لمشاركة دولية بشرية، وتعاون لحل اللغز، والاستعداد لمقاومتهم بأيدي وعقول ومعدات كل البشرية.
وسؤال عن كيفية توافق المشاهدات لأعداد كبيرة من البشر؟
والجواب أن التأثير اللفظي والمرئي بالأساطير والأفلام، ومشاعر الخوف الجماعي، وتأثير الحكايات لا شك يفعل الكثير، ويجمع الكثير، ويتوقف عند لا شيء.
يقيني الشخصي أن ذلك لم يحدث حتى الآن، وأن جميع ما نسمعه ونراه من حكايات، ليست إلا هلاوس وعقداً نفسية، لا تعكس الواقع، ولا تشرح الموجود، وأنه في حال حدوث أول واقعة لنزول الكائنات الفضائية للأرض، فسيكون يوماً إعلامياً سياسياً أمنياً عالمياً مشهوداً، وستكون عدسات الهواتف فاعلة على مستوى البشرية جمعاء، ولن نتوقف عند لقطة سريعة مشوهة، ولا رواية فردية، ربما لا تعدو خداعاً بصرياً، وانعكاسات أضواء، أو زيادة اشعاع كوني بدرجة تخدع الأعين.