خالد محمد الدوس
لد العالم الاجتماعي والفيلسوف النمساوي الأصل الأمريكي الجنسية (ألفريد شوتز) في فينا في 13 إبريل 1899 تنتمي عائلته إلى الطبقة الوسطى في النمسا وبعد الانتهاء من تعليمه الثانوي تم تجنيده في جيش بلاده وكان ينتمي إلى فرقة المدفعية النمساوية التي حاربت الجبهة الإيطالية في الحرب العالمية الأولى, وبعد الانتهاء من عمله العسكري، عاد إلى العاصمة فينا لمواصلة تعليمه الجامعي والتحق بالدراسة في (جامعة فيينا) ودرس القانون والعلوم الاجتماعية, وكان مهتماً بالفكر الفلسفي, ولذلك كان أحد الأهداف الرئيسية في حياته المهنية إرساء اتجاه فلسفي للعلوم الاجتماعية على أساس الظواهر, بعد أن ألّف أشهر كتبه ومؤلفاته في سياق الظواهر الاجتماعية وأبرزها :كتاب (من الظواهر الاجتماعية في العالم), وكتاب (على فلسفة الظواهر والعلاقات الاجتماعية). وقد تأثر بالعديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة.. ومنهم العالم إدموند هوسرل, ووليام جيمس، ولودفيج فون, وقد درس بعمق أعمال لتطوير علم الاجتماع التفسيري التي اقترحها العالم الألماني المعروف ماكس فيبر, وفي عام 1939 غادر (شوتز) فينا متجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعمل محاضراً في الدراسات العليا في كلية العلوم السياسية والاجتماعية في المدرسة الجديدة في نيويورك المتخصصة في علم الاجتماع حيث ساهم في وضع أساسٍ لعلم الاجتماع ودراسة الناس وفهم هيكل التفاعل الاجتماعي, وكما قال: «إن العمل الرئيسي للفلسفة هي الظواهر الاجتماعية» ولذلك لا يصنف بعض العلماء المعاصرين العالم (شوتز) عادة ضمن منظّري علم الاجتماع التقليديين لأن مؤلفاته بدأت تؤثر بشكل واسع في علم الاجتماع مؤخراً خاصة في نظريات علم الاجتماع (الظاهراتي والاثنوميثودولوجي)، وتركز النظرية الظاهراتية- التي يعد ألفريد شوتز أحد روادها- أطروحتها الرئيسية حول تكوين الخبرة والوعي فتكتشف الأشياء في الخبرات والطرق التي نخبر بها .. والظاهراتية - كما هو معروف- تيار فلسفي تبناه كل من (ادموند هوسرل) و(رومان انكاردن) ظهر هذا الاتجاه في بداية القرن العشرين، وهو يدرس كافة أنواع الخبرة الإنسانية من التصورات، الفكر، التخيل الشعور، الرغبة، الاختيار، الوعي الجسماني، الفعل الرمزي والتمثيلي، النشاط الاجتماعي، النشاط اللغوي، الغرض من كل ذلك هو دراسة الأشياء أو الموجودات كظواهر ومعانٍ موجودة في خبرتنا الواعية.
ولذلك تعتبر إسهامات شوتز في هذه النظرية بدمج أفكار الفلسفة الحدسية مع علم الاجتماع عبر نقد فلسفي لأعمال ماكس فيبر.. إنجازاً عظيماً بالنسبة للنظرية التي تأسست وتطورت على يد العالم إدموند هوسرل. وأعاد صياغتها ألفريد شوتز عندما أولى اهتماماً للذاتية الداخلية للاتجاه الطبيعي مما جعله مفيداً في دراسة الظواهر الاجتماعية وطبقاً للشواهد العلمية من بعض الباحثين أن كتابات العالم شوتز قد أحدثت تأثيراً واضحاً على مناهج البحث في العلوم الاجتماعية, كما أن تصوراته عن العلم والمعرفة قد أصبحت تشكل إحدى الركائز المهمة التي يستند إليها علم الاجتماع المعرفي, فقد ذهب العالم الراحل إلى أن هناك تيارين فكريين داخل العلوم الاجتماعية يحاول كل منهما دراسة الواقع الاجتماعي. فالتيار الأول وبحسب رؤية شوتز يسعى إلى دراسة هذا الواقع بنفس الطريقة التي تدرس بها العلوم الطبيعية وظواهرها. ومعنى ذلك أن هذا التيار يسلم بصحة المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية وقدرتها على فهم ظواهر الإنسان. أما التيار الثاني فإنه يسلم بوجود اختلافات جذرية بين العالمين الطبيعي والاجتماعي وبالتالي فإن هناك فروقاً أساسية بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية, وبالطبع فإن صياغة شوتز تصوراته الفينومينولوجية لعلم الاجتماع بعد أن أنجز تحليلاً ونقدياً شاملاً لهذه النظرية يمثل من الدعائم الأساسية لمدرسة علم الاجتماع الصوري التي عبر عنها الأب الروحي لعلم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر) في أعماله السوسيولوجية.
توفي العالم الأمريكي ألفريد شوتز في 20 مايو بعد أن ترك إسهامات كبيرة تميزت بتطوير علم الاجتماع الحديث القائم على الفينومينولوجيا 1959 في نيويورك عن عمر يناهز الـ 60 عاماً بعد أن قدم أعمالاً بارزة في (علم الظواهر) الحركة الفلسفية التي نشأت في القرن العشرين التي تصف الظواهر المختلفة وفقاً لكيفية تجربتها بوعي. وبالتالي أثرت كتاباته بشكل كبير على علم الاجتماع سواء على نهج الظاهراتية في علم الاجتماع, أو في نظرية البناء الاجتماعي التي شرحت كيف تساهم عمليات النقل الخارجي وأفكار الموضوعية والاستبطان في البناء الاجتماعي للواقع.. ومازالت بعض أعماله السوسيولوجية تشكل مرجعاً ثرياً للباحثين والدراسين في علم الاجتماع.