د. سعد بن سعيد القرني
مساء ليلة السبت كانت آخر ليلة من معرض الرياض الدولي للكتاب في الفترة من 28 سبتمبر وحتى 7 من أكتوبر في حرم جامعة الملك سعود، تحت شعار «وجهة ملهمة» بمشاركة أكثر من 1800 دار من 32 دولة، تجمع صنّاع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع القراء والمهتمين لكل شرائح المجتمع بمختلف أطيافه، واهتمام واسع رجالاً ونساءً وأطفالا، وهم فرحون محتفون بروعة الفكر والأدب والثقافة.
ووطننا الغالي المملكة العربية السعودية يتبنى على نطاق واسع خلاصة فكر الأدباء والمفكرين والمبدعين المحليين والعالميين، وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- له شغفه بعلوم التاريخ والتراث والثقافة، ويمتلك مكتبة من أكبر المكتبات الخاصة تضم ما يربو على 60 ألف مجلد في حدود 18 ألف عنوان، ولديه حيز كبير مخصصه لكتب التاريخ السعودي.
وتأتي رؤية 2030 التي أطلقها سيدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتعزيز الوعي العصري بتنويع روافد الثقافة والفكر والفنون وغيره من مجالات أخرى. ففي البعد المؤسسي أنشأت وزارة الثقافة التي تضم 11 هيئة تعنى بالكتاب والمفكرين وبالتأليف والترجمة والنشر والعناية بالتراث، والمسرح والسينما والموسيقى. أما على صعيد الحراك الثقافي الفكري ففتحت الأبواب على الفكر الثقافي العالمي وتم توسيع النطاق جغرافيا لنشر الثقافة وتبني مشروعات التأليف ومنح الجوائز محلياً وعربياً وعالمياً، بهدف إثراء المكتبة السعودية خاصة والعربية بشكل عام، ودعم شغف القارئ السعودي والعربي بالاطلاع على ما هو جديد من نواتج الثقافة والفكر العالمي في القصة والرواية والخيال العلمي. ولم يغفل تعزيز الوعي العصري ثقافة الأسرة والطفل السعودي بتبني استراتيجية تعنى بمكتبة الأسرة وإثرائها بما يؤسس ويعزز ثقافة الطفل بأدوات وأساليب عصرية.
وفي ذات السياق تقدم جامعاتنا السعودية إسهاماتها الملموسة في إقامة معارض الكتاب بهدف نشر الثقافة المجتمعية والمعرفة بأبعادها المختلفة، بدعم من حكومتنا الرشيدة، وبالتالي فإن افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب 2023 بالعاصمة السعودية كأكبر معرض للكتاب في حرم جامعة الملك سعود بإشراف وزارة الثقافة تحت شعار «وجهة ملهمة»، على مساحة معرفية تتجاوز 55 ألف متر مربع، يدل على النماء الفكري والثقافي، والمكانة والتميز الدولي، وفي الوقت نفسه فقد استمتع الزوار طوال عشرة أيام متتالية بفعاليات البرنامج الثقافي الذي يتضمن أكثر من 200 فعالية، ومنها: ندوات حوارية، وأمسيات شعرية، وورش عمل معرفية، وعروض مسرحية سعودية ودولية، وحفلات موسيقية وغنائية.
لقد كان المعرض يحمل عبارة وجهة ملهمة، وهذا تعزيز للمكانة والعلاقة الوثيقة بين الجامعة والكتاب في تنظيم معارض الكتاب، حيث كان المعرض فرصة ثمينة، ومناسبة لا تُفوت، للوقوف عن كثب على حجم الإقبال اللافت للنظر الذي دل عليه الحضور الكبير للرجال والنساء والأسر والأطفال من كل فئات المجتمع، مما يدل على الارتباط الوثيق بين الإنسان والكتاب، والذي يدحض مقولة أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أضعفت تلك العلاقة، بل بالعكس فالكل استشعر العلاقة الوثيقة بين الكتاب والإنسان، وهو سياق طبيعي لكون الكتاب يتبنى بإسهاب القضايا المختلفة،عكس وسائل التواصل الاجتماعي ذات الأفكار والآراء القصيرة والمحدودة، فأصبحت مسألة اقتناء الكتاب مسألة ملحة مازالت تحافظ على قيمتها، وستظل كذلك حتى يتم بناء محتوى رقمي يضم تلك الكتب، حيث يعتبر القارئ القراءة من الكنوز الثمينة التي لا يمكن التخلي عنها من الكتاب أو المحتوى الرقمي.
ويمكن التأكيد بأن تلك الكوكبة من المواطنين والمقيمين الذين أقبلوا إقبالا واسعا على هذا المعرض المميز وفعالياته، تؤكد نجاح استراتيجية الدولة في تعزيز الوعي الوطني، وما تقوم به الجامعات السعودية من دور في احتضان الفعاليات الفكرية والثقافية والدراسات والبحوث، وتنويع مشاربه على كافة المستويات في تحقيق هذا الهدف الوطني، وصناعة محتوى ثقافي، وتحفيز الحراك المعرفي.
وفي الختام كل الشكر والتقدير والامتنان لسيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تبني استراتيجيات نوعية لنقل الثقافة السعودية والوعي المجتمعي إلى مراحل متقدمة تحاكي متغيرات العصر، وتتنامى للمكانة المنشودة التي تليق بتميز المملكة العربية السعودية محلياً وإقليمياً وعالمياً.
** **
- أستاذ تاريخ المملكة العربية السعودية المشارك