اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وإذا كان تشخيص المرض هو الخطوة الأولى نحو معالجته، والاعتراف بالخطأ شرط لتصحيحه، فإنه قد مضى شهور عدة على القتال في اليمن، وقوة المقاومة التي تناصر الشرعية تخوض معركتها مع
عدوها وهي مبعثرة القوى، ومشتتة الجهود، وليس ثمة ما يدل على وجود قيادات ميدانية وتنفيذية، تدير القتال في موقع، وتشرف عليه في موقع آخر، وكل من ينضوي تحت راية المقاومة يخضع لمرجعية هذه
القيادات، ويأتمر بأمرها؛ إذ إن توحيد القيادة يمثل ضرورة حتمية لتوحيد المقاومة تحت اسمها، وتنسيق عملها، وإيجاد خطة عملية للسيطرة على ميدان المواجهة والتكيف مع طبيعة المواقف والعوامل المؤثرة عليها، بالشكل الذي يراعي حساسية المكان وظروف الزمان، كما أن الغاية التي يجتمع عليها المقاومون، والتي يتعين الثبات عليها والمثابرة في سبيلها إلى النهاية، تعتبر بمسيس الحاجة إلى قيادة تتعهدها، وتشحذ الهمم نحوها مذكرة المقاتلين بالقيم والمثل الجامعة، وموجدة لديهم الدوافع الدافعة في سبيل التغلب على الآفات المعنوية والمحبطات النفسية، والنفس تستمد زادها الروحي من دينها وقيمها وفطرتها السوية، والبيئة الصالحة والقيادة الناجحة تلهمها وتزرع فيها ذلك، وقد قيل: من وطن نفسه على أمر هان عليه، وكما قال الشاعر:
لكل امرئ منا نفوس ثلاثة
يعارض بعضاً بعضها بالمقاصد
فنفس تمنِّيه وأخرى تلومه
وثالثة تهديه نحو المراشد
وقال آخر:
تعلم شفاء النفس قهر عدوها
فبالغ بلطف في التحيل والمكر
والمقاومة تقاتل دفاعاً عن نفسها وعرضها وأرضها، وفُرض عليها ذلك داخل مدنها وقراها، وهو أمر بقدر ما يبعث فيها روح القتال والإيمان بهدفها، ويحفزها نحو التضحية، بقدر ما يضاعف لديها المسؤولية، ويضعها أمام صعوبات جمة، مردها خطورة القتال في المناطق المبنية، وتعرُّض المواطنين للقتل ووقوعهم ضحايا لحرب كريهة، أجبرتهم عليها عصابة باغية، خارجة عن دينها، وعاقة لوطنها، ومتمردة على سلطتها الشرعية، ومرتكبة الجرائم في حق مواطنيها، وانعكاس ذلك كله بشكل سلبي على الوضع الاجتماعي والإنساني بسبب ظروف الحرب، وما نجم عنها من شح في الموارد التموينية واللوجستية وانعدام الخدمات وغياب الاستقرار. وفي ظل هذا الوضع وجدت المقاومة نفسها بين معاناة شعبها وآلام وطنها، وما تعانيه هي من نقص في مطالب القتال ولزوميات الحياة وبين الممارسات الفاشية التي يمارسها مجوس اليمن ضد البشر والمقر، وانطبق عليها قول الشاعر:
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت
حبال الهوينى بالفتى أن تُقطَّعا
ونظراً لتواضع إنجازات المقاومة على الأرض، وحتى تتحقق الأهداف الواردة في القرار الأممي 2216 وما سبقه من مرجعيات، فإنه لا مناص من تحسين أداء المقاومة والرفع من وتيرة مقاومتها، وتطعيمها بقوات عسكرية من تلك الموالية للشرعية، والإسراع بتشكيل قوة مكتملة العناصر والتسليح؛ لتقوم مقام المقاومة، وتنجز مهامها، وفي الوقت نفسه مضاعفة الجهود السياسية والدبلوماسية؛ لعل في ذلك ما يغني عن التدخل البري. وليس ثمة بديل بالنسبة لدول التحالف بقيادة المملكة عن بلوغ أهدافها، وهذه الأهداف منها ما هو مرحلي، ومنها ما هو نهائي، فالمرحلي يتمثل في توفير أمن حدود المملكة، وإبطال مفعول انقلاب الحركة الحوثية، وإزالة آثاره، وتمكين السلطة الشرعية من ممارسة عملها من داخل اليمن. والهدف النهائي يكمن في ضرورة إضعاف الحركة الحوثية وأنصارها، واستئصال شأفتهم، وإيصاد الباب في وجه الأطماع الإيرانية، وإحباط مخططات إيران، ومنعها من أي تدخل مستقبلي في اليمن، واعتبار ذلك أخطر تهديد لأمن المملكة ودول الخليج والأمن القومي العربي، وهو أمر لا يحتمل المساومة ولا يقبل أنصاف الحلول. والقضاء على أي وجود إيراني في اليمن هو المدخل للقضاء على المشروع الإيراني في المنطقة، وتحجيم نفوذ الفرس في الوطن العربي.
والأهداف المشار إليها ذات طابع مصيري، ولها علاقة بالوجود والبقاء، والتفريط فيها مرفوض مهما كانت التكاليف والتضحيات، والصعوبات العسكرية والمعوِّقات السياسية لا مندوحة من تذليلها وتجاوزها في سبيل الوصول إلى هذه الأهداف، والنجاح الذي تحقق في عاصفة الحزم يجب المحافظة عليه بالمثابرة حتى النهاية والثبات على الغاية، والمحافظة على الشيء والثبات عليه يعني ذلك تطويره، وما لا يتطور يندثر، ومن حصل على ميزة يصعب عليه فقدانها، وهل ثمة ميزة أعظم من دحر العدوان وحماية الأوطان ونصرة الجيران والذكر الحسن على كل لسان. ويكفي عاصفة الحزم أنها خلقت واقعاً جديداً، تحدَّد فيه شيء من ملامح المرحلة التالية لها بفضل استثارتها لهمم الأمة، ورسم مسارها، وتحديد خيارها، واعتبارها بمنزلة جرس إنذار وشكل من أشكال الاختبار، كما أنها أثبتت القدرة على امتلاك القرار وقبول التحدي والإصرار على المواجهة من أجل الكرامة ومستقبل الأجيال، ونادت بلغتها الخاصة وصوتها المسموع إلى وجوب الاتحاد الخليجي وضرورة التقارب العربي وأهمية التضامن الإسلامي.