اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وقد حالت حملة دول التحالف الجوية بقيادة المملكة بين إيران وبين صنيعتها في اليمن، وعصفت بها عاصفة الحزم، وكسرت شوكة إيران، ونالت من هيبتها، واستراتيجية المواجهة بالوكالة التي تتبنّاها إيران، واستخدام الأذرع
الخائنة، والتنظيمات العميلة ضد أوطانها، أخذت بعداً جديداً في هذا البلد، وتطورت أحداثها إلى الحد الذي أخرج هذه الاستراتيجية عن دائرتها، وأظهرها على حقيقتها، وكشف سوأتها، ولم يبق أمام النظام الإيراني إلا مواجهة لا قِبَل له بها، أو الاكتفاء باللجوء إلى الاستعراضات والتحركات البحرية اليائسة والنفاق السياسي واختلاق المواقف الكاذبة، والادعاءات الباطلة مع إطلاق التصريحات التي يتباكى فيها على مصير اليمن، داعياً إلى إنقاذه من حملة إنقاذه وإطلاق يد العصابة الحوثية، وتركها تعبث بأمن البلد، وتسوم أهله سوء العذاب.
وذهب تطاول النظام الإيراني وصلفه به كل مذهب حتى أنه جعل من نفسه مرجعاً للحوثيين، ووصياً عليهم، يأتمرون بأمره، ويتكلم نيابة عنهم، ويتدخل في شؤون اليمن باسمهم، مطلقاً المبادرات، وباذلاً المحاولات، ومستعيناً بالدول الأخرى، بغية التأثير على الحملة الجوية، وثنيها عن تحقيق أهدفها، ولكن المملكة أحسنت صنعاً في تجاهل إيران واعتبارها هي المغذي والمحرك للمشكلة في اليمن بدون مبرر معنوي أو مادي، يستدعي وجودها في هذا البلد والتدخل في شؤونه، ومن هذا حاله فلا قبول لمبادراته أو التحاور معه باعتبار ذلك يعني اعترافاً بدورة ومكافأة له على سوء عمله، ومواجهته بالإقصاء والتهميش هو الأسلوب الملائم وكما قال الشاعر:
لن ترضي الرذل إلا حين تسخطه
ولا يسوئك إلا حين تكرمه
وليس يسخط إلا حين ترضيه
ولا يسرك إلا حين تقصيه
وروسيا تبنّت بدورها من خلال مجلس الأمن عدة مبادرات مغلَّفة بغلاف إنساني وهي أبعد ما تكون عن الإنسانية، والهدف منها هو استباق لبعض القرارات الأممية، ومحاولة إجهاضها والالتفاف على مضمونها، وعرقلة الحملة الجوية وإحباط المقاومة لصالح إيران وحلفائها في اليمن وفرض واقعاً جديداً مكمِّلاً لما بدأه ممثل الأمم المتحدة السابق، والدعوة إلى الهدنة الإنسانية، حسب مفهوم هؤلاء الداعين إليها، لا فرق فيها بين الجاني والمجني عليه، بل تتجاهل المجني عليه، وتجعله جانياً، وتمنح الجاني مزيداً من الضوء الأخضر للاستمرار في جنايته في بيئة موبوءة لا يُميَّز فيها بين الحق والباطل.
واللقاء الأخير في موسكو بين الروس والحوثيين يكشف عن علاقة مصلحية لا مبدئية تجمع بين الطرفين على حساب شعب اليمن وسلطته الشرعية، وانعكاس هذا الموقف سلباً على أهداف الحملة الجوية التي تحرص دولها على الاستفادة من الوقت، وتنتظر ذلك اليوم الذي تنتهي فيه الأزمة ويعود الحق إلى نصابه، وما ينطبق على هذا اللقاء، ينطبق على لقاء الأمريكيين بالحوثيين في عمان، وتأثير هذين اللقاءين على لقاء جنيف المزمع بصورة قد تؤدي إلى تعقيد الحل وتأخيره، وثمة دعوات ومبادرات تصب كلها في هذا الاتجاه، ورغم ما فيها من فائدة للحوثيين وظلم وإجحاف ضد الآخرين فإنه لا يستجيب لها أو يتكيف معها إلا من يجيد فن التنازلات ويؤمن بالمقاربات والعصابة الحوثية تغلب عليها الأنانية والمراهقة السياسية، ولا تعرف إلا لغة القوة وقد قال الشاعر:
رأيت الحق لؤلؤة توارت
بلجٍّ من ضلال الناس جمُّ
والدعوة إلى الهدنة الإنسانية لها ما يبررها، وضرورتها قائمة ويستدل عليها من اسمها، ولكن الهدنة لها حدودها وقيودها، ويتعيَّن أن يلتزم بها الطرفان وأن يكون هناك إشراف على تطبيقها، حتى لا يبقى الوضع عائماً بدون ضوابط تضبطه، وبالتالي يستغل من قبل الطرفين أو أحدهما، واستغلال الهدنة يترتب عليه نتائج عكسية، ويصبح الوضع بعدها أكثر تعقيداً من ذي قبل، وأبعد مسافة عن الحل، وقد قيل المال السائب يساعد على السرقة، والعصابة الحوثية جُبلت على الكذب والخداع، واستباحة الدماء والأعراض والأموال، واستحلال كل ما هو محرم، ومَنْ هذا حاله فلن ينصاع لهدنة ولن ينفذ شروطها إلا بالمراقبة والإكراه، وكل من يعمل في الظلام يكره النور ولا يقبل عليه لئلا تفتضح أعماله.
والهدنة الماضية لم تحقق أهدافها، ولم يستفد منها الشعب اليمني كما ينبغي، وقد استغلها الحوثيون وحلفاؤهم من المتمردين على الشرعية أيما استغلال، وبدلاً من أن تكون الهدنة نعمة جعلوها نقمة، وما كان منحة لهم حولوه محنة على غيرهم، وعلى المستوى العسكري فقد مكَّنتهم الهدنة من التقاط الأنفاس وإعادة التنظيم، ووفرت لهم الوقت لتحريك قواتهم من مكان إلى آخر، وتم اغتنام الهدنة من قبلهم لجلب الأسلحة والذخيرة، وتحريكها حسب ظروف المواجهة المنتظرة مع العمل على تحسين أوضاع التخزين، وإعادة تعبئة الوقود ونقله من موقع إلى آخر بحسب الحاجة، وبفضل الهدنة أتيحت لهم الفرصة لتعزيز القوة البشرية وتطوير الوضع على الأرض، وتغيير استراتيجية العمل تبعاً لظروف المسرح وتجربة الماضي والدروس المستفادة، وفي الوقت نفسه كانت الهدنة سبباً في إهدار وقت المقاومة، وتفويت الفرص عليها وسلبها ثمار انتصارها، وعلى المستوى السياسي فإن في الهدنة إثبات للوجود وفرصة للالتفاف على قرارات مجلس الأمن ومؤتمر الرياض، علاوة على ما حصل لهم من مكاسب إعلامية ودعائية والاستفادة اجتماعياً في الداخل وسياسياً في الخارج، وبحكم السيطرة الميدانية صارت لهم اليد الطولى على أعمال الإغاثة واستأثروا بها دون المستحقين لها من الشعب اليمني، وقد قيل: إن الطريقة المثالية لتدمير بلد ما، هي أن يتسلّم الغوغاء فيه السلطة.
والسلطة الشرعية في اليمن يبدو أنها قررت الذهاب إلى جنيف لحضور اللقاء التشاوري المزمع عقده في منتصف هذا الشهر، حتى لا يقال بأنها لم تحضر، حيث إنها تدرك أن في ذلك مضيعة للوقت، وتقليلاً من شأن القرار 2216 والتفافاً عليه، والحق الذي تستند إليه هذه السلطة والمرجعيات التي تتوافر لها وتنطلق منها، إذا لم تتبنّاها الهيئة الأممية الداعية إلى عقد اللقاء، فاللوم يقع عليها والخطأ هو خطأها، كيف لا، والقرار قرارها، والمرجعية تعود إليها والمسئولية مسئوليتها، وقد قال أحدهم: لن يعرف الحق من يجهل الباطل ولا يعرف الخطأ من يجهل الصواب، والأطراف المدعوّة بين صاحب حق يحمل وثائقه، والحجة إلى جانبه والربح بالنسبة له تحصيل حاصل، والخسارة مؤلمة، وبين طرف ظالم ليس عنده ما يخسره، ويحاول جاهداً استغلال الوقت والاستفادة إعلامياً وسياسياً على حساب شعب مكلوم ووطن مظلوم، وقد قال الحسن بن علي: كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب وكما قال الشاعر:
ومن مبكيات الدهر أو مضحكاته
لدى الناس حرٌّ لم يكن خصمه حراً
ومن غير المشكوك فيه أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن بعض الدول الكبرى التي وافقت على القرار 2216 وافقت عليه، وهي تظهر شيئاً وتبطن عكسه، وعلاقتها المشبوهة مع إيران والحوثيين أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، وحرمة الحلف القديم طغت عليها لذة الحلف الجديد، والصاحب يسرق طبعة من طبع صاحبه، والكذب والنفاق والخداع والبرجماتية انتقلت عدواها أثناء محادثات الملف النووي بين أطرافه، ولله در القائل:
رأيت الناس خداعاً
يعيشون مع الذئب
إلى جانب خداع
ويبكون مع الراعي
وخلاصة القول فإن مَنْ استعان بعدو ضد آخر خسر وخاب وأكلته الذئاب والمطلوب من دول التحالف والأمة العربية والإسلامية أن تكون على وعي تام لما يكاد ضدها من مكايد وينصب لها من مصائد، وأن تنهض للدفاع عن نفسها والمحافظة على وجودها وبقائها قبل أن يفوت الأوان، ووقتها لا ينفع ندم المتندّم ولا يشفع المجد المتقدِّم، وما يعرف بداعش وإيران الصفوية والتنظيمات الدائرة في فلكها والصهيونية العالمية ورعاتهم من الغرب والشرق يمثلون وجهين لعملة واحدة، وعدوهم المشترك هو الإسلام السني، وحتى ينقضون عليه وصفوه بالإرهاب وخلقوا له من داخله داعش وأخواتها، وإيران هي الراعية للإرهاب والمغذية للطائفية والتنظيمات الإرهابية التابعة لها تعد بالعشرات ولم يجرّمها الغرب ولم يضعها في قوائمه بل خصّص هذه القوائم للسنة بصورة فيها الكثير من التجني والظلم.